الأفخاذ، والفخذ تجمع الفصائل، فخزيمة شعب وكنانة قبيلة وقريش عمارة وقصي بطن وهاشم فخذ والعباس فصيلة وسميت الشعوب لأن القبائل تشعبت منها، وهذا هو الذي عليه أكثر أهل النسب واللغة، ونظم ذلك بعض الأدباء فقال:
قبيلة فوقها شعب وبعدهما ... عمارة ثم بطن تلوه فخذ
وليس يؤوي الفتى إلا فصيلته ... ولا سداد لسهم ما له قذذ
وذكر بعضهم العشيرة بعد الفصيلة فقال:
اقصد الشعب فهو أكثر حي ... عددا في الحساب ثم القبيلة
ثم يتلوهما العمارة ثم البطن ... ثم الفخذ وبعد الفصيلة
ثم من بعدها العشيرة لكن ... هي في جنب ما ذكرنا قليله
وحكى أبو عبيد عن ابن الكلبي عن أبيه تقديم الشعب ثم القبيلة ثم الفصيلة ثم العمارة ثم الفخذ فأقام الفصيلة مقام العمارة والعمارة مقام الفصيلة في ذكرها قبل الفخذ ولم يذكر ما يخالفه، وقيل: الشعوب في العجم والقبائل في العرب والأسباط في بني إسرائيل، وأيد كون الشعوب في العجم ما في حديث مسروق أن رجلا من الشعوب أسلم فكانت تؤخذ منه الجزية فإن الشعوب فيه فسرت بالعجم لكن قيل: وجهه على ما تقدم أن الشعب ما تشعب منه قبائل العرب والعجم فخص بأحدهما، ويجوز أن يكون جمع الشعوبي وهو الذي يصغر شأن العرب ولا يرى لهم فضلا على غيرهم كيهود ومجوس في جمع المجوسي واليهودي، ومنهم أبو عبيدة وكان خارجيا وقد ألف كتابا في مثالب العرب، وابن غرسية وله رسالة فصيحة في تفضيل العجم على العرب، وقد رد عليه علماء الأندلس برسائل عديدة.
وقيل: الشعوب عرب اليمن من قحطان والقبائل ربيعة ومضر وسائر عدنان، وقال قتادة ومجاهد والضحاك:
الشعب النسب إلا بعد والقبيلة الأقرب، وقيل: الشعوب الموالي والقبائل العرب، وقال أبو روق: الشعوب الذين ينتسبون إلى المدائن والقرى والقبائل العرب الذين ينتسبون إلى آبائهم لِتَعارَفُوا علة للجعل أي جعلناكم كذلك ليعرف بعضكم بعضا فتصلوا الأرحام وتبينوا الأنساب والتوارث لا لتفاخروا بالآباء والقبائل، والحصر مأخوذ من التخصيص بالذكر والسكوت في معرض البيان. وقرأ الأعمش «لتتعارفوا» بتاءين على الأصل، ومجاهد. وابن كثير في رواية وابن محيصن بإدغام التاء في التاء، وابن عباس وأبان عن عاصم «لتعرفوا» بكسر الراء مضارع عرف، قال ابن جني: والمفعول محذوف أي لتعرفوا ما أنتم محتاجون إليه كقوله:
وما علم الإنسان إلا ليعلما أي ليعلم ما علمه وما أعذب هذا الحذف وما أغربه لمن يعرف مذهبه.
واختير في المفعول المقدر قرابة بعضكم من بعض، وقوله تعالى: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ تعليل للنهي عن التفاخر بالأنساب المستفاد من الكلام بطريق الاستئناف الحقيقي كأنه قيل: إن أكرمكم عند الله تعالى والأرفع منزلة لديه عز وجل في الآخرة والدنيا هو الأتقى فإن فاخرتم ففاخروا بالتقوى. وقرأ ابن عباس «أن» بفتح الهمزة على حذف لام التعليل كأنه قيل: لم لا تتفاخروا بالأنساب؟ فقيل: لأن أكرمكم عند الله تعالى أتقاكم لا أنسبكم فإن مدار كمال النفوس وتفاوت الأشخاص هو التقوى فمن رام نيل الدرجات العلا فعليه بها.
وفي البحر أن ابن عباس قرأ «لتعرفوا وأن أكرمكم» بفتح الهمزة فاحتمل أن يكون «أن أكرمكم» إلخ معمولا لتعرفوا وتكون اللام في لتعرفوا لام الأمر وهو أجود من حيث المعنى، وأما إن كانت لام كي فلا يظهر المعنى