واحتقار مسلم، وعلى ما ذكرناه أولا
جاء قوله عليه الصلاة والسلام «إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل» الحديث،
وقوله صلّى الله عليه وسلّم: «أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب»
إلى غير ذلك، ومع شرف الانتساب إليه عليه الصلاة والسلام لا ينبغي لمن رزقه أن يجعله عاطلا عن التقوى ويدنسه بمتابعة الهوى، فالحسنة في نفسها حسنة وهي من بيت النبوة أحسن، والسيئة في نفسها سيئة وهي من أهل بيت النبوة أسوأ، وقد يبلغ اتباع الهوى بذلك النسيب الشريف إلى حيث يستحي أن ينسب إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وربما ينكر نسبه. وعليه قيل لشريف سيىء الأفعال:
قال النبي مقال صدق لم يزل ... يحلو لدى الاسماع والأفواه
إن فاتكم أصل امرئ ففعاله ... تنبيكم عن أصله المتناهي
وأراك تسفر عن فعال لم تزل ... بين الأنام عديمة الأشباه
وتقول إني من سلالة أحمد ... أفأنت تصدق أم رسول الله
ولا يلومن الشريف إلا نفسه إذا عومل حينئذ بما يكره وقدم عليه من هو دونه في النسب بمراحل، كما يحكى أن بعض الشرفاء في بلاد خراسان كان أقرب الناس إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم غير أنه كان فاسقا ظاهر الفسق وكان هناك مولى أسود تقدم في العلم والعمل فأكب الناس على تعظيمه فاتفق أن خرج يوما من بيته يقصد المسجد فاتبعه خلق كثير يتبركون به فلقيه الشريف سكران فكان الناس يطردونه عن طريقه فغلبهم وتعلق بأطراف الشيخ وقال: يا أسود الحوافر والمشافر يا كافر ابن كافر أنا ابن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أذل وأنت تجل وأهان وأنت تعان فهم الناس بضربه فقال الشيخ: لا تفعلوا هذا محتمل منه لجده ومعفو عنه وإن خرج عن حده، ولكن أيها الشريف بيضت باطني وسودت باطنك فرؤي بياض قلبي فوق سواد وجهي فحسنت وسواد قلبك فوق بياض وجهك فقبحت وأخذت سيرة أبيك وأخذت سيرة أبي فرآني الخلق في سيرة أبيك ورأوك في سيرة أبي فظنوني ابن أبيك وظنوك ابن أبي فعملوا معك ما يعمل مع أبي وعملوا معي ما يعمل مع أبيك، ولهذا ونحوه قيل:
ولا ينفع الأصل من هاشم ... إذا كانت النفس من باهله
أي لا ينفع في الامتياز على ذوي الخصال السنية إذا كانت النفس في حد ذاتها باهلية ردية ومن الكمالات عرية، فإن باهلة في الأصل اسم امرأة من همدان كانت تحت معن بن أعصر بن سعد بن قيس عيلان فنسب ولده إليها، وقيل: بنو باهلة وهم قوم معروفون بالخساسة، قيل: كانوا يأكلون بقية الطعام مرة ثانية وكانوا يأخذون عظام الميتة يطبخونها ويأخذون دسوماتها فاستنقصتهم العرب جدا حتى قيل لعربي أترضى أن تكون باهليا وتدخل الجنة فقال: لا إلا بشرط أن لا يعلم أهل الجنة أني باهلي، وقيل:
إذا قيل للكلب يا باهلي ... عوى الكلب من شؤم هذا النسب
ولم يجعلهم الفقهاء لذلك أكفاء لغيرهم من العرب لكن لا يخلو ذلك من نظر، فإن النص أعني «إن العرب بعضهم أكفاء لبعض» لم يفصل مع أنه صلّى الله عليه وسلّم كان أعلم بقبائل العرب وأخلاقهم وقد أطلق وليس كل باهلي كما يقولون بل فيهم الأجواد، وكون فصيلة منهم أو بطن صعاليك فعلوا ما فعلوا لا يسري في حق الكل اللهم إلا أن يقال:
مدار الكفاءة وعدمها على العار وعدمه في المعروف بين الناس. فمتى عدوا الباهلية عارا وشاع استنقاصها فيما بينهم وأبتها نفوسهم اعتبر ذلك وإن لم يكن عن أصل أصيل، وهذا نظير ما ذكروا فيما إذا اشترى الشخص دارا فتبين أن الناس يستشئمونها أنه بالخيار مع قول الجل من العلماء بنفي الشؤم المتعارف بين الناس اعتبارا لكون ذلك مما ينقص الثمن بين الناس وإن لم يكن له أصل فتأمله، وبالجملة شرف النسب مما اعتبر جاهلية وإسلاما، أما جاهلية فأظهر من