الجنات لبيان فضلها على سائر الأشجار، وتوسيط الحب بينهما لتأكيد استقلالها وامتيازها عن البقية مع ما فيه من مراعاة الفواصل باسِقاتٍ أي طوالا أو حوامل من أبسقت الشاة إذا حملت فيكون على هذا من أفعل فهو فاعل، والقياس مفعل فهو من النوادر كالطوائح واللواقح في أخوات لها شاذة ويافع من أيفع وباقل من أبقل، ونصبه على أنه حال مقدرة.
وروى قطبة بن مالك عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قرأ «باصقات»
بالصاد وهي لغة لبني العنبر يبدلون من السين صادا إذا وليتها أو فصل بحرف أو حرفين خاء معجمة أو عين مهملة أو طاء كذلك أوقاف لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ منضود بعضه فوق بعض، والمراد تراكم الطلع أو كثرة ما فيه من مادة الثمر، والجملة حال من النخل كباسقات بطريق الترادف أو من ضميرها في باسِقاتٍ على التداخل، وجوز أن يكون الحال هو الجار والمجرور وطَلْعٌ مرتفع به على الفاعلية، وقوله تعالى: رِزْقاً لِلْعِبادِ أي ليرزقهم علة لقوله تعالى: فَأَنْبَتْنا وفي تعليله بذلك بعد تعليل أَنْبَتْنا الأول بالتبصير والتذكير تنبيه على أن اللائق بالعبد أن يكون انتفاعه بذلك من حيث التذكر والاستبصار أقدم وأهم من تمتعه به من حيث الرزق، وجوز أن يكون رِزْقاً مصدرا من معنى أَنْبَتْنا لأن الإنبات رزق فهو من قبيل قعدت جلوسا، وأن يكون حالا بمعنى مرزوقا وَأَحْيَيْنا بِهِ أي بذلك الماء بَلْدَةً مَيْتاً أرضا جدبة لا نماء فيها بأن جعلناها بحيث ربت أو أنبتت وتذكير مَيْتاً لأن البلدة بمعنى البلد والمكان، وقرأ أبو جعفر. وخالد «ميّتا» بالتثقيل كَذلِكَ الْخُرُوجُ جملة قدم فيها الخبر للقصد إلى القصر وذلك إشارة إلى الحياة المستفادة من الإحياء، وما فيه من معنى البعد إشعار ببعد الرتبة أي مثل تلك الحياة البديعة حياتكم بالبعث من القبور لا كشيء مخالف لها، وفي التعبير عن إخراج النبات من الأرض بالإحياء وعن إحياء الموتى بالخروج تفخيم لشأن الإنبات وتهوين لأمر البعث وتحقيق للمماثلة بين إخراج النبات وإحياء الموتى لتوضيح منهاج القياس وتقريبه إلى إفهام الناس، وجوز أن يكون الكاف في محل رفع على الابتداء الْخُرُوجُ خبر، ونقل عن الزمخشري أنه قال: كَذلِكَ الخبر وهو الظاهر، ولكونه مبتدأ وجه وهو أن يقال: ذلك الخروج مبتدأ وخبر على نحو أبو يوسف أبو حنيفة، والكاف واقع موقع مثل في قولك: مثل زيد أخوك ولا يخفى أنه تكلف.
وقوله تعالى: كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ إلى آخره استئناف وارد لتقرير حقية البعث ببيان اتفاق كافة الرسل عليهم الصلاة والسلام عليها وتكذيب منكريها، وفي ذلك أيضا تسلية للنبي صلّى الله عليه وسلّم وتهديد للكفرة، وَأَصْحابُ الرَّسِّ هو البئر التي لم تبن، وقيل: هو واد وأصحابه قيل: هم ممن بعث إليهم شعيب عليه السلام، وقيل: قوم حنظلة ابن صفوان وَثَمُودُ وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ أريد هو وقومه ليلائم ما قبله وما بعده، وهذا كما تسمى القبيلة تميما مثلا باسم أبيها وَإِخْوانُ لُوطٍ قيل: كانوا من أصهاره عليه السلام. فليس المراد الأخوة الحقيقية من النسب وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ قيل: هم قوم بعث إليهم شعيب عليه السلام غير أهل مدين كانوا يسكنون أيكة وهي الغبطة فسموا بها وَقَوْمُ تُبَّعٍ الحميري وكان مؤمنا وقومه كفرة ولذا لم يذم وهو ذم قومه، وقد سبق في الحجر. والدخان. والفرقان تمام الكلام فيما يتعلق بما في هذه الآية.
كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ أي فيما أرسلوا به من الشرائع التي من جملتها البعث الذي أجمعوا عليه قاطبة أي كل قوم من الأقوام المذكورين كذبوا رسولهم أو كذب كل هؤلاء جميع رسلهم، وإفراد الضمير باعتبار لفظ الكل أو كل واحد منهم كذب جميع الرسل لاتفاقهم على الدعوة إلى التوحيد والإنذار بالبعث والحشر فتكذيب واحد منهم تكذيب للكل، والمراد بالكلية التكثير كما في قوله تعالى: وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ [النمل: ٢٣] وإلا فقد آمن من آمن من قوم نوح وكذا من غيرهم، ثم ما ذكر على تقدير رسالة تبع ظاهر ثم على تقدير عدمها وعليه الأكثر فمعنى