خيرا فهو صاحب اليمين وإن كان شرا فهو صاحب الشمال عَتِيدٌ معد مهيأ لكتابة ما أمر به من الخير أو الشر، وتخصيص القول بالذكر لإثبات الحكم في الفعل بدلالة النص واختلف فيما يكتبانه فقال الإمام مالك. وجماعة:
يكتبان كل شيء حتى الأنين في المرض، وفي شرح الجوهرة للقاني مما يجب اعتقاده أن لله تعالى ملائكة يكتبون أفعال العباد من خير أو شر أو غيرهما قولا كانت أو عملا أو اعتقادا هما كانت أو عزما أو تقريرا اختارهم سبحانه لذلك فهم لا يهملون من شأنهم شيئا فعلوه قصدا وتعمدا أو ذهولا ونسيانا صدر منهم في الصحة أو في المرض كما رواه علماء النقل والرواية انتهى. وفي بعض الآثار ما يدل على أن الكلام النفسي لا يكتب، أخرج البيهقي في الشعب عن حذيفة بن اليمان أن للكلام سبعة أغلاق إذا خرج منها كتب وإن لم يخرج لم يكتب القلب واللها واللسان والحنكان والشفتان، وذهب بعضهم إلى أن المباح لا يكتبه أحد منهما لأنه لا ثواب فيه ولا عقاب والكتابة للجزاء فيكون مستثنى حكما من عموم الآية وروي ذلك عن عكرمة.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر والحاكم وصححه وابن مردويه من طريقه عن ابن عباس أنه قال: إنما يكتب الخير والشر لا يكتب يا غلام أسرج الفرس ويا غلام اسقني الماء، وقال بعضهم: يكتب كل ما صدر من العبد حتى المباحات فإذا عرضت أعمال يومه محي منها المباحات وكتب ثانيا ماله ثواب أو عقاب وهو معنى قوله تعالى: يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ [الرعد: ٣٩] وقد أشار السيوطي إلى ذلك في بعض رسائله وجعل وجها للجمع بين القولين القول بكتابة المباح والقول بعدمها وقد روي نحوه عن ابن عباس. أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه أنه قال في الآية: يكتب كل ما تكلم به من خير أو شر حتى أنه ليكتب قوله: أكلت وشربت ذهبت جئت رأيت حتى إذا كان يوم الخميس عرض قوله وعمله فأقر منه ما كان من خير أو شر وألقى سائره فذلك قوله تعالى: يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ ثم إن المباح على القول بكتابته يكتبه ملك الشمال على ما يشعر به. ما أخرجه ابن أبي شيبة. والبيهقي في شعب الإيمان من طريق الأوزاعي عن حسان بن عطية أن رجلا كان على حمار فعثر به فقال: تعست فقال صاحب اليمين: ما هي بحسنة فاكتبها وقال صاحب الشمال ما هي بسيئة فاكتبها فنودي صاحب الشمال إن ما تركه صاحب اليمين فاكتبه، وجاء في بعض الأخبار أن صاحب اليمين أمين على صاحب الشمال،
وقد أخرج ذلك الطبراني وابن مردويه. والبيهقي في الشعب من حديث أبي أمامة مرفوعا، وفيه «فإذا عمل العبد حسنة كتبت له بعشر أمثالها وإذا عمل سيئة وأراد صاحب الشمال أن يكتبها قال صاحب اليمين أمسك فيمسك ست ساعات أو سبع ساعات فإن استغفر الله تعالى منها لم يكتب عليه منها شيئا وإن لم يستغفر الله تعالى كتبت عليه سيئة واحدة»
ومثل الاستغفار كما نص عليه فعل طاعة مكفرة في حديث آخر أن صاحب اليمين يقول: دعه سبع ساعات لعله يسبح أو يستغفر، وظاهر الآية عموم الحكم للكافر فمعه أيضا ملكان يكتبان ما له وما عليه من أعماله وقد صرح بذلك غير واحد وذكروا أن ما له الطاعات التي لا تتوقف على نية كالصدقة وصلة الرحم وما عليه كثير لا سيما على القول بتكليفه بفروع الشريعة.
وفي شرح الجوهرة الصحيح كتب حسنات الصبي وإن كان المجنون لا حفظة عليه لأن حاله ليست متوجهة للتكليف بخلاف الصبي وظاهر الآية شمول الحكم له وتردد الجزولي في الجن والملائكة أعليهم حفظة أم لا ثم جزم بأن على الجن حفظة وأتبعه القول بذلك في الملائكة عليهم السلام، قال اللقاني بعد نقله: ولم أقف عليه في الجن لغيره ويفهم منه أنه وقف عليه في الملائكة لغيره ولعله ما حكي عن بعضهم أن المراد بالروح في قوله تعالى: تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ [القدر: ٤] الحفظة على الملائكة، ويحتاج دعوى ذلك فيهم وفي الجن إلى نقل.
وأما اعتراض القول به في الملائكة بلزوم التسلسل فمدفوع بما لا يخفى على المتأمل ثم إن بعضهم استظهر في