للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كنت في غفلة من هذا الذي ذكرناه من أمر النفخ والبعث ومجيء كل نفس معها سائق وشهيد وغير ذلك فكشفنا عنك غطاء الغفلة بالوحي وتعليم القرآن فبصرك اليوم حديد ترى ما لا يرون وتعلم ما لا يعلمون، ولعمري إنه زعم ساقط لا يوافق السباق ولا السياق. وفي البحر وعن زيد بن أسلم قول في هذه الآية يحرم نقله وهو في كتاب ابن عطية انتهى، ولعله أراد به هذا لكن في دعوى حرمة النقل بحث، وقرأ الجحدري. وطلحة بن مصرف بكسر الكافات الثلاثة أعني كاف عَنْكَ وما بعده على خطاب النفس، ولم ينقل صاحب اللوامح الكسر في الكاف إلا عن طلحة وقال:

لم أجد عنه في لَقَدْ كُنْتَ الكسر فإن كسر فيه أيضا فذاك وإن فتح يكون قد حمل ذلك على لفظ كُلُّ وحمل الكسر فيما بعده على معناه لإضافته إلى نَفْسٍ وهو مثل قوله تعالى: فَلَهُ أَجْرُهُ [البقرة: ١١٢] وقوله سبحانه بعده وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ [البقرة: ١١٢] انتهى وَقالَ قَرِينُهُ أي شيطانه المقيض له في الدنيا كما قال مجاهد،

وفي الحديث «ما من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن قالوا: ولا أنت يا رسول الله قال: ولا أنا إلا أن الله تعالى أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير»

هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ إشارة إلى الشخص الكافر نفسه أي هذا ما عندي وفي ملكتي عتيد لجهنم قد هيأته لها بإغوائي وإضلالي، ولا ينافي هذا ما حكاه سبحانه عن القرين في قوله تعالى الآتي:

قالَ قَرِينُهُ رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ لأن هذا نظير قول الشيطان: وَلَأُضِلَّنَّهُمْ [النساء: ١١٩] وقوله: وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ [إبراهيم: ٢٢] وذاك نظير قوله: وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ [إبراهيم: ٢٢] .

وقال قتادة وابن زيد: قرينه الملك الموكل بسوقه يقول مشيرا إليه: هذا ما لدي حاضر، وقال الحسن: هو كاتب سيئاته يقول مشيرا إلى ما في صحيفته أي هذا مكتوب عندي عتيد مهيأ للعرض، وقيل: قرينه هنا عمله قلبا وجوارح وليس بشيء، وما نكرة موصوفة بالظرف وبعتيد أو موصولة والظرف صلتها وعَتِيدٌ خبر بعد خبر لاسم الإشارة أو خبر لمبتدأ محذوف، وجوز أن يكون بدلا من ما بناء على أنه يجوز إبدال النكرة من المعرفة وإن لم توصف إذا حصلت الفائدة بإبدالها، وأما تقديره بشيء عتيد على أن البدل هو الموصوف المحذوف الذي قامت صفته مقامه أو إن ما الموصول لإبهامها أشبهت النكرة فجاز إبدالها منها فقيل عليه إنه ضعيف لما يلزم الأول من حذف البدل وقد أباه النحاة، والثاني لا يقول به من يشترط النعت فهو صلح من غير تراضي الخصمين. وقرأ عبد الله «عتيدا» بالنصب على الحال أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ خطاب من الله تعالى للسائق والشهيد بناء على أنهما اثنان لا واحد جامع للوصفين أو للملكين من خزنة النار أو لواحد على أن الألف بدل من نون التوكيد على إجراء الوصل مجرى الوقف، وأيد بقراءة الحسن «ألقينّ» بنون التوكيد الخفيفة، وقيل: إن العرب كثيرا ما يرافق الرجل منهم اثنين فكثر على ألسنتهم أن يقولوا خليلي وصاحبي وقفا واسعدا حتى خاطبوا الواحد خطاب الاثنين، وما في الآية محمول على ذلك كما حكي عن الفراء أو على تنزيل تثنية الفاعل منزلة تثنية الفعل بأن يكون أصله ألق ألق ثم حذف الفعل الثاني وأبقى ضميره مع الفعل الأولى فثنى الضمير للدلالة على ما ذكر كما في قوله:

فإن تزجراني يا ابن عفان أنزجر ... وإن تدعاني أحم عرضا ممنعا

وحكي ذلك عن المازني والمبرد، ولا يخفى بعده، ولينظر هل هو حقيقة أو مجاز والأظهر أنه خطاب لاثنين وهو المروي عن مجاهد. وجماعة، وأيا ما كان فالكلام على تقدير القول كما مر، والإلقاء طرح الشيء حيث تلقاه أي تراه ثم صار في التعارف اسما لكل طرح أي اطرحا في جهنم كل مبالغ في الكفر للمنعم والنعمة عَنِيدٍ مبالغ في العناد وترك الانقياد للحق، وقريب منه قول الحسن: جاحد متمرد، وقال قتادة: أي منحرف عن الطاعة يقال: عند عن الطريق عدل عنه، وقال السدي: المشاق من العند وهو عظم يعرض في الحلق، وقال ابن بحر: المعجب بما عنده

<<  <  ج: ص:  >  >>