علي كرم الله تعالى وجهه مرفوعا، وقال مقاتل: ركعتان بعد العشاء يقرأ في الأولى قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ [الكافرون: ١] وفي الثانية قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص: ١] ، وقيل: من الليل صلاة العشاءين والتهجد. وعن مجاهد صلاة الليل، وفيه احتمال العموم لصلاة العشاءين والخصوص بالتهجد وهو الأظهر وَاسْتَمِعْ أمر بالاستماع، والظاهر أنه أريد به حقيقته، والمستمع له محذوف تقديره واستمع لما أخبر به من أهوال يوم القيامة، وبين ذلك بقوله تعالى: يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ إلى آخره، وسلك هذا لما في الإبهام ثم التفسير من التهويل والتعظيم لشأن المخبر به، وانتصب يَوْمَ بما دل عليه ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ أي يوم ينادي المنادي يخرجون من القبور، وقيل: المفعول محذوف تقديره نداء المنادى، وقيل: تقديره نداء الكافرين بالويل والثبور ويَوْمَ ظرف لذلك المحذوف، وقيل: لا يحتاج ذلك إلى مفعول والمعنى كن مستمعا ولا تكن غافلا، وقيل: معنى استمع انتظر، والخطاب لكل سامع، وقيل: للرسول عليه الصلاة والسلام ويَوْمَ منتصب على أنه مفعول به لاستمع أي انتظر يوم ينادي المنادي فإن فيه تبين صحة ما قلته كما تقول لمن تعده بورود فتح: استمع كذا وكذا. والمنادي على ما في بعض الآثار جبريل عليه السلام ينفخ إسرافيل في الصور وينادي جبريل يا أيتها العظام النخرة والجلود المتمزقة والشعور المتقطعة إن الله يأمرك بأن تجتمعي لفصل الحساب. وأخرج ابن عساكر. والواسط في فضائل بيت المقدس عن يزيد بن جابر أن إسرافيل عليه السلام ينفخ في الصور فيقول: يا أيتها العظام النخرة إلى آخره فيكون المراد بالمنادي هو عليه السلام. وفي الحواشي الشهابية الأول هو الأصح مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ هو صخرة بيت المقدس على ما روي عن يزيد بن جابر وكعب وابن عباس وبريدة وقتادة، وهي على ما روي عن كعب أقرب الأرض إلى السماء بثمانية عشر ميلا.
وفي الكشاف أنها أقرب إليها باثني عشر ميلا وهي وسط الأرض، وأنت تعلم أن مثل هذا لا يقبل إلا بوحي، ثم إن كونها وسط الأرض مما تأباه القواعد في معرفة العروض والأطوال، ومن هنا قيل: المراد قريب ممن يناديهم فقيل:
ينادي من تحت أقدامهم، وقيل: من منابت شعورهم فيسمع من كل شعرة يا أيتها العظام النخرة إلخ، ومن الناس من قال: المراد بقربه كون النداء منه لا يخفى على أحد بل يستوي في سماعه كل أحد، والنداء في كل ذلك على حقيقته، وجوز أن يكون في الإعادة نظير كن في الابتداء على المشهور فهو تمثيل لإحياء الموتى بمجرد الإرادة ولا نداء ولا صوت حقيقة، ثم إن ما ذكرناه من أن المنادي ملك وأنه ينادي بما سمعت هو المأثور، وجوز أن يكون نداؤه بقوله للنفس: ارجعي إلى ربك لتدخلن مكانك من الجنة أو النار أو هؤلاء للجنة وهؤلاء للنار، وأن يكون المنادي هو الله تعالى ينادي احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ [الصافات: ٢٢] أو أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ [ق: ٢٤] مع قوله تعالى: ادْخُلُوها بِسَلامٍ [الحجر: ٤٦، ق: ٣٤] أو خُذُوهُ فَغُلُّوهُ [الحاقة: ٣٠] أو أَيْنَ شُرَكائِيَ [النحل: ٢٧، القصص: ٦٢، ٧٤، فصلت: ٤٧] أو غير ذلك، وأن يكون غيره تعالى وغير الملك من المكلفين ينادي يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ [الزخرف: ٧٧] أو أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ [الأعراف: ٥٠] أو غير ذلك، والمعول عليه ما تقدم يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ وهي النفخة الثانية، ويَوْمَ بدل من يَوْمَ يُنادِ إلخ، والعامل فيهما ما دل عليه ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ كما تقدم، وجوز أن يكون ظرفا لما دل عليه ذلك ويَوْمَ يُنادِ غير معمول له بل لغيره على ما مر، وأن يكون ظرفا لينادي، وقوله تعالى: بِالْحَقِّ في موضع الحال من الصَّيْحَةَ أي يسمعونها ملتبسة بالحق الذي هو البعث، وجوز أن يكون (الحق) بمعنى اليقين والكلام نظير صاح بيقين أي وجد منه الصياح يقينا لا كالصدى وغيره فكأنه قيل: الصيحة المحققة، وجوز أن يكون الجار متعلقا بيسمعون على أن المعنى يسمعون بيقين، وأن يكون الباء للقسم و (الحق) هو الله تعالى أي يسمعون الصيحة أقسم بالله وهو كما ترى ذلِكَ أي اليوم يَوْمُ الْخُرُوجِ من القبور وهو من أسماء يوم القيامة.