وجهها من الحياء، وقيل: إنها لطمته تعجبا وهو فعل النساء إذا تعجبن من شيء وَقالَتْ عَجُوزٌ أي أنا عجوز عَقِيمٌ عاقر فكيف ألد، وعقيم فعيل قيل: بمعنى فاعل أو مفعول وأصل معنى العقم اليبس قالُوا كَذلِكَ أي مثل ذلك القول الكريم الذي أخبرنا به قالَ رَبُّكِ وإنما نحن معبرون نخبرك به عنه عز وجل لا أنا نقوله من تلقاء أنفسنا، وروي أن جبريل عليه السلام قال لها: انظري إلى سقف بيتك فنظرت فإذا جذوعه مورقة مثمرة إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ فيكون قوله عز وجل حقا وفعله سبحانه متقنا لا محالة، وهذه المفاوضة لم تكن مع سارة فقط بل كانت مع إبراهيم أيضا حسبما تقدم في سورة الحجر، وإنما لم يذكر هاهنا اكتفاء بما ذكر هناك كما أنه لم يذكر هناك سارة اكتفاء بما ذكر- هاهنا وفي سورة هود..
قالَ أي إبراهيم عليه السلام لما علم أنهم ملائكة أرسلوا لأمر فَما خَطْبُكُمْ أي شأنكم الخطير الذي لأجله أرسلتم سوى البشارة أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ يعنون قوم لوط عليه السلام لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ أي بعد قلب قراهم عاليها سافلها حسبما فصل في سائر السور الكريمة حِجارَةً مِنْ طِينٍ أي طين متحجر وهو السجيل وفي تقييد كونها من طين رفع توهم كونها بردا فان بعض الناس يسمي البرد حجارة مُسَوَّمَةً معلمة من السومة وهي العلامة على كل واحدة منها اسم من يهلك بها وقيل: أعلمت بأنها من حجارة العذاب، وقيل: بعلامة تدل على أنها ليست من حجارة الدنيا، وقيل: مسومة مرسلة من أسمت الإبل في المرعى، ومنه قوله تعالى: وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ [النحل: ١٠] عِنْدَ رَبِّكَ أي في محل ظهور قدرته سبحانه وعظمته عز وجل، والمراد أنها معلمة في أول خلقها، وقيل: المعنى أنها في علم الله تعالى معدّة لِلْمُسْرِفِينَ المجاوزين الحد في الفجور، وأل- عند الإمام للعهد أي لهؤلاء المسرفين، ووضع الظاهر. موضع الضمير ذمّا لهم بالإسراف بعد ذمّهم بالإجرام، وإشارة إلى علة الحكم، وقوله تعالى: فَأَخْرَجْنا إلى آخره حكاية من جهته تعالى لما جرى على قوم لوط عليه السلام بطريق الإجمال بعد حكاية ما جرى بين الملائكة وبين إبراهيم عليهم السلام من الكلام، والفاء فصيحة مفصحة عن جمل قد حذفت ثقة بذكرها في موضع آخر كأنه قيل: فقاموا منه وجاؤوا لوطا فجرى بينهم وبينه ما جرى فباشروا ما أمروا به فأخرجنا بقولنا فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ [الحجر: ٦٥] إلخ مَنْ كانَ فِيها أي في قرى قوم لوط وإضمارها بغير ذكر لشهرتها.
مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ممن آمن بلوط عليه السلام فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ أي غير أهل بيت للبيان بقوله تعالى: مِنَ الْمُسْلِمِينَ فالكلام بتقدير مضاف، وجوز أن يراد بالبيت نفسه الجماعة مجازا، والمراد بهم- كما أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم- عن مجاهد لوط وابنتاه، وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير أنه قال: كانوا ثلاثة عشر، واستدل بالآية على اتحاد الإيمان والإسلام للاستثناء المعنوي فإن المعنى فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين فلم يكن المخرج إلا أهل بيت واحد وإلا لم يستقم الكلام، وأنت تعلم أن هذا يدل على أنهما صادقان على الأمر الواحد لا ينفك أحدهما عن الآخر كالناطق والإنسان إما على الاتحاد في المفهوم وهو المختلف فيه عند أهل الأصول والحديث فلا، فالاستدلال بها على اتحادهما فيه ضعيف، نعم تدل على أنهما صفتا مدح من أوجه عديدة استحقاق الإخراج واختلاف الوصفين وجعل كل مستقلا بأن يجعل سبب النجاة وما في قوله تعالى: مَنْ كانَ أولا، وغَيْرَ بَيْتٍ ثانيا من الدلالة على المبالغة فإن صاحبهما محفوظ مَنْ كانَ وأين كان إلى غير ذلك، ومعنى الوجدان منسوبا إليه تعالى العلم على ما قاله الراغب، وذهب بعض الأجلة إلى أنه لا يقال: ما وجدت كذا إلا بعد الفحص والتفتيش، وجعل عليه معنى الآية فأخرج ملائكتنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فما وجد ملائكتنا