تِلْكَ الرُّسُلُ استئناف مشعر بالترقي كأنه قيل: إنك لمن المرسلين وأفضلهم فضلا، والإشارة لجماعة الرسل الذين منهم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، وما فيه من معنى البعد- كما قيل- للإيذان بعلو طبقتهم وبعد منزلتهم، واللام للاستغراق، ويجوز أن تكون للجماعة المعلومة له صلّى الله عليه وسلم أو المذكورة قصصها في السورة، واللام للعهد، واختيار جمع التكسير لقرب جمع التصحيح فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ بأن خصصنا بعضهم بمنقبة ليست تلك المنقبة للبعض الآخر، وقيل: المراد التفضيل بالشرائع فمنهم من شرع، ومنهم من لم يشرع، وقيل: هو تفضيل بالدرجات الأخروية ولا يخفى ما في كل، ويؤيد الأول قوله تعالى: مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ فإنه تفصيل للتفضيل المذكور إجمالا، والجملة لا محل لها من الإعراب، وقيل: بل من فَضَّلْنا والمراد بالموصول إما موسى عليه السلام فالتعريف عهدي، أو كل من كلمه الله تعالى عن رضا بلا واسطة، وهم آدم- كما ثبت في الأحاديث الصحيحة- وموسى وهو الشهير بذلك، ونبينا صلّى الله عليه وسلم وهو المخصوص بمقام قاب والفائز بعرائس خطاب ما تعرض بالتعريض لها الخطاب، وقرىء كَلَّمَ اللَّهُ بالنصب وقرأ اليماني- كالم الله- من المكالمة قيل: وفي إيراد الاسم الجليل بطريق الالتفات تربية للمهابة ورمز إلى ما بين التكلم والرفع وبين ما سبق من مطلق التفضيل وما لحق من إيتاء البينات والتأييد بروح القدس من التفاوت وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ أي ومنهم من رفعه الله تعالى على غيره من الرسل بمراتب متباعدة ومن وجوه متعددة، وتغيير الأسلوب لتربية ما بينهم من اختلاف الحال في درجات الشرف، والمراد ببعضهم هنا النبي صلى الله تعالى عليه وسلم كما ينبئ عنه الأخبار بكونه صلّى الله عليه وسلم منهم فإنه قد خص بمزايا تقف دونها الأماني حسرى.
وامتاز بخواص علمية وعملية لا يستطيع لسان الدهر لها حصرا. ورقي أعلام فضل رفعت له على كواهله الأعلام.
وطأطأت له رؤوس شرفات الشرف فقبلت منه الأقدام فهو المبعوث رحمة للعالمين. والمنعوت بالخلق العظيم بين المرسلين، والمنزل عليه قرآن مجيد لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ [فصلت:
٤٢] والمؤيد دينه المؤيد بالمعجزات المستمرة الباهرة. والفائز بالمقام المحمود والشفاعة العظمى في الآخرة، والإبهام لتفخيم شأنه وللإشعار بأنه العلم الفرد الغني عن التعيين، وقيل: المراد به إبراهيم حيث خصه الله تعالى بمقام الخلة التي هي أعلى المراتب ولا يخفى ما فيه، وقيل: إدريس لقوله تعالى: وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا [مريم: ٥٧] ، وقيل:
أولو العزم من الرسل، وفيه- كما في الكشف- أنه لا يلائم ذوق المقام الذي فيه الكلام البتة، وكذا الكلام عندي في سابقه إذ الرفعة عليه حقيقة والمقام يقتضي المجاز كما لا يخفى، ودرجات- قيل: حال من بعضهم على معنى ذا درجات، وقيل: انتصابه على المصدر لأن الدرجة بمعنى الرفعة فكأنه قيل: ورفعنا بعضهم رفعات، وقيل: التقدير- على- أو- إلى- أو- في- درجات فلما حذف حرف الجر وصل الفعل بنفسه، وقيل: إنه مفعول ثان لرفع على أنه ضمن معنى بلغ، وقيل: إنه بدل اشتمال وليس بشيء وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ أي الآيات الباهرات والمعجزات الواضحات كإبراء الأكمه والأبرص، وإحياء الموتى. والاخبار بما يأكلون ويدخرون، أو الإنجيل، أو كلما يدل على نبوته، وفي ذكر ذلك في مقام التفضيل إشارة إلى أنه السبب فيه، وهذا يقتضي أفضلية نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم على سائر الأنبياء إذ له من قداح ذلك المعلى والرقيب. وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ قد تقدم تفسيره، وإفراده عليه السلام بما ذكر لرد ما بين أهل الكتابين في شأنه من التفريط والإفراط، والآية ناطقة بأن الأنبياء عليهم السلام متفاوتة الأقدار