أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم. وأبو الشيخ في العظمة عن سعيد بن المسيب قال: قال علي كرم الله تعالى وجهه لرجل من اليهود: أين موضع النار في كتابكم؟ قال: البحر فقال كرم الله تعالى وجهه: ما أراه إلا صادقا، وقرأ وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ
[التكوير: ٦] وبذلك قال مجاهد وشمر بن عطية والضحاك ومحمد بن كعب والأخفش، وقال قتادة: المسجور المملوء يقال: سجره أي ملأه، والمراد به عند جمع البحر المحيط، وقيل:
بحر في السماء تحت العرش، وأخرج ذلك ابن أبي حاتم وغيره عن علي كرم الله تعالى وجهه
وابن جرير عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، وفي البحر أنهما قالا فيه ماء غليظ، ويقال له: بحر الحياة يمطر العباد منه بعد النفخة الأولى أربعين صباحا فينبتون في قبورهم، وأخرج أبو الشيخ عن الربيع أنه الملأ الأعلى الذي تحت العرش وكأنه أراد به القضاء الواسع المملوء ملائكة، وعن ابن عباس «المسجور» الذي ذهب ماؤه، وروى ذو الرمة الشاعر، وليس له كما قيل حديث غير هذا عن الحبر قال: خرجت أمة لتستقي فقالت: إن الحوض مسجور أي فارغ فيكون من الاضداد، وحمل كلامه رضي الله تعالى عنه على إرادة البحر المعروف، وأن ذهاب مائه يوم القيامة، وفي رواية عنه أنه فسره بالمحبوس، ومنه ساجور الكلب وهي القلادة التي تمسكه وكأنه عنى المحبوس من أن يفيض فيغرق جميع الأرض، أو يغيض فتبقى الأرض خالية منه، وقيل الْمَسْجُورِ المختلط، وهو نحو قولهم للخليل المخالط: سجير، وجعله الراغب من سجرت التنور لأنه سجير في مودّة صاحبه، والمراد بهذا الاختلاط تلاقي البحار بمياهها واختلاط بعضها ببعض، وعن الربيع اختلاط عذبها بملحها، وقيل: اختلاطها بحيوانات الماء، وقيل: المفجور أخذا من قوله تعالى: وَإِذَا الْبِحارُ فُجِّرَتْ [الانفطار: ٣] ويحتمله ما أخرجه ابن المنذر عن ابن عباس من تفسيره بالمرسل، وإذا اعتبر هذا مع ما تقدم عنه آنفا من تفسيره بالمحبوس يكون من الاضداد أيضا، وقال منبه بن سعيد، هو جهنم سميت بحرا لسعتها وتموأها، والجمهور على أن المراد به بحر الدنيا- وبه أقول- وبأن المسجور بمعنى الموقد، ووجه التناسب بين القرائن بعد تعين ما سيق له الكلام لائح، وهو هاهنا إثبات تأكيد عذاب الآخرة وتحقيق كينونته ووقوعه، فأقسم سبحانه له بأمور كلها دالة على كمال قدرته عز وجل مع كونها متعلقة بالمبدأ والمعاد، فالطور لأنه محل مكالمة موسى عليه السلام، ومهبط آيات البدء والمعاد يناسب حديث إثبات المعاد وكتاب الأعمال كذلك مع الإيماء إلى أن إيقاع العذاب عدل منه تعالى فقد تحقق، ودون في الكتاب ما يجر إليه قبل، وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ لأنه مطاف الرسل السماوية، ومظهر لعظمته تعالى، ومحل لتقديسهم وتسبيحهم إياه جل وعلا، وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ لأنه مستقرهم ومنه تنزل الآيات، وفيه الجنة: وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ لأنه محل النار، وإذا حمل الكتاب على التوراة كان التناسب مع ما قبله حسب النظر الجليل أظهر ولم يحمله عليها كثير لزعم أن- الرق المنشور- لا يناسبها لأنها كانت في الألواح، ولا يخفى عليك أن شيوع الرق فيما يكتب فيه الكتاب مطلقا يضعف هذا الزعم في الجملة، ثم إن المعروف أن التوراة لا يكتبها اليهود اليوم إلا في- رق- وكأنهم أخذوا ذلك من أسلافهم، وقال الإمام: يحتمل أن تكون الحكمة في القسم- بالطور والبيت المعمور والبحر المسجور- أنها أماكن خلوة لثلاثة أنبياء مع ربهم سبحانه، أما الطور فلموسى عليه السلام وقد خاطب عنده ربه عز وجل بما خاطب، وأما البيت المعمور فلرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم
وقد قال عنده:«سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك»
وأما البحر فليونس عليه السلام قال فيه: لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ [الأنبياء: ٨٧] فلشرفها بذلك أقسم الله تعالى بها، وأما ذكر الكتاب فلأن الأنبياء كان لهم في هذه الأماكن كلام والكلام في الكتاب، وأما ذكر السقف المرفوع فلبيان رفعة البيت المعمور ليعلم عظمة شأن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، ثم ذكر وجها آخر، ولعمري إنه لم يأت بشيء فيهما، والواو الاولى للقسم وما بعدها على