للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللَّهُ عَلَيْنا

أي بالرحمة والتوفيق وَوَقانا عَذابَ السَّمُومِ أي عذاب النار النافذة في المسام نفوذ السموم وهو الريح الحارة المعروفة، ووجه الشبه وإن كان في النار أقوى لكنه في ريح السموم لمشاهدته في الدنيا أعرف فلذا جعل مشبها به، وقال الحسن: السَّمُومِ اسم من أسماء جهنم عاما لهم ولأهلهم، فالمراد بيان ما منّ الله تعالى به عليهم من اتباع أهلهم لهم، وقيل: ذكر فِي أَهْلِنا لإثبات خوفهم في سائر الأوقات والأحوال بطريق الأولى فإن كونهم بين أهليهم مظنة الأمن ولا أرى فيه بأسا، نعم كون ذلك لأن السؤال عما اختصوا به من الكرامة دون أهليهم ليست بشيء، وقيل: لعل الاولى أن يجعل ذلك إشارة إلى الشفقة على خلق الله تعالى كما أن قوله عز وجل: إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إلى آخره إشارة إلى التعظيم لأمر الله تعالى وترك العاطف بجعل الثاني بيانا للأول ادعاء للمبالغة في وجوب عدم انفكاك كل منهما للآخر ولا يخفى ما فيه، والذي يظهر أن هذا إشارة إلى الرجاء وترك العطف لقصد تعداد ما كانوا عليه أي إنا كنا من قبل ذلك نعبده تعالى ونسأله الوقاية إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ أي المحسن ما يدل عليه اشتقاقه من البر بسائر مواده لأنها ترجع إلى الإحسان- كبرّ في يمينه- أي صدق لأن الصدق إحسان في ذاته ويلزمه الإحسان للغير، وأبرّ الله تعالى حجه أي قبله لأن القبول إحسان وزيادة، وأبرّ فلان على أصحابه أي علاهم لأنه غالبا ينشأ عن الإحسان لهم فتفسيره باللطيف كما روي عن ابن عباس، أو العالي في صفاته، أو خالق البرّ، أو الصادق فيما وعد أولياءه كما روي عن ابن جريج بعيد إلا أن يراد بعض ما صدقات، أو غايات ذلك البر؟ الرَّحِيمُ الكثير الرحمة الذي إذا عبد أثاب وإذا سئل أجاب، وقرأ أبو حيوة «ووقّانا» بتشديد القاف، والحسن وأبو جعفر ونافع والكسائي «أنّه» بفتح الهمزة لتقدير لام الجر التعليلية قبلها أي لأنه فَذَكِّرْ فاثبت على ما أنت عليه من التذكير بما أنزل عليك من الآيات والذكر الحكيم ولا تكترث بما يقولون مما لا خير فيه من الأباطيل.

فَما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكاهِنٍ هو الذي يخبر بالغيب بضرب من الظن، وخص الراغب الكاهن بمن يخبر بالأخبار الماضية الخفية كذلك، والعرّاف بمن يخبر بالأخبار المستقبلة كذلك، والمشهور في الكهانة الاستمداد من الجن في الإخبار عن الغيب، والباء في بِكاهِنٍ مزيدة للتأكيد أي ما أنت كاهن وَلا مَجْنُونٍ واختلف في باء بِنِعْمَةِ فقال أبو البقاء: للملابسة، والجار والمجرور في موضع الحال والعامل فيه كاهن، أو مجنون، والتقدير ما أنت كاهن ولا مجنون ملتبسا بنعمة ربك وهي حال لازمة لأنه عليه الصلاة والسلام ما زال ملتبسا بنعمة ربه عز وجل، وقيل: للقسم فنعمة ربك مقسم به، وجواب القسم ما علم من الكلام وهو- ما أنت بكاهن ولا مجنون- وهذا كما تقول: ما زيد والله بقائم وهو بعيد، والأقرب عندي أن الباء للسببية وهو متعلق بمضمون الكلام، والمعنى انتفى عنك الكهانة والجنون بسبب نعمة الله تعالى عليك، وهذا كما تقول ما أنا معسر بحمد الله تعالى وإغنائه، والمراد الرد على قائل ذلك، وإبطال مقالتهم فيه عليه الصلاة والسلام وإلا فلا امتنان عليه صلى الله تعالى عليه وسلم بانتفاء ما ذكر مع انتفائه عن أكثر الناس، وقيل: الامتنان بانتفاء ذلك بسبب النعمة المراد بها ما أوتيه صلى الله تعالى عليه وسلم من صدق النبوة ورجاحة العقل التي لم يؤتها أحد قبله، والقائلون بذلك هم الكفرة قاتلهم الله تعالى أنى يؤفكون، وممن قال كاهن: شيبة بن ربيعة، وممن قال مجنون: عقبة بن أبي معيط أَمْ يَقُولُونَ أي بل أيقولون شاعِرٌ أي هو شاعر نَتَرَبَّصُ أي ننتظر بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ أي الدهر، وهو فعول من المنّ بمعنى القطع لأنه يقطع الأعمار وغيرها، ومنه حبل منين أي مقطوع، والريب مصدر رابه إذا أقلقه أريد به حوادث الدهر وصروفه لأنها تقلق النفوس وعبر عنها بالمصدر مبالغة، وجوز أن يكون من راب عليه الدهر أي نزل، والمراد بنزوله إهلاكه، وتفسير المنون بالدهر مروي عن مجاهد وعليه قول الشاعر:

<<  <  ج: ص:  >  >>