أَفَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى من الصور التي يظهر بها جبريل عليه السلام بعد ما رآه قبل وحققه بحيث لا يشتبه عليه بأي صورة ظهر فالتعبير بالمضارع على ظاهره وَلَقَدْ رَآهُ أي رأى النبي جبريل صلّى الله عليه وسلم في صورته التي خلقه الله تعالى عليها نَزْلَةً أُخْرى أي مرة أخرى من النزول وهي فعلة من النزول أقيمت مقام المرة ونصب نصبها على الظرفية لأن أصل المرة مصدر مرّ يمر ولشدة اتصال الفعل بالزمان يعبر به عنه ولم يقل مرة بدلها ليفيد أن الرؤية في هذه المرة كانت بنزول ودنو كالرؤية في المرة الأولى الدال عليها ما مر، وقال الحوفي وابن عطية: إن نزلة منصوب على المصدرية للحال المقدرة أي نازلا نزلة، وجوز أبو البقاء كونه منصوبا على المصدرية- لرأى- من معناه أي رؤية أخرى وفيه نظر، والمراد من الجملة القسمية نفي الريبة والشك عن المرة الأخيرة وكانت ليلة الإسراء عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى هي شجرة نبق عن يمين العرش في السماء السابعة على المشهور، وفي حديث أخرجه أحمد ومسلم والترمذي وغيرهم في السماء السادسة نبقها كقلال هجر وأوراقها مثل آذان الفيلة يسير الراكب في ظلها سبعين عاما لا يقطعها،
وأخرج الحاكم وصححه عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنهما مرفوعا «يسير الراكب في الفنن منها مائة سنة»
والأحاديث ظاهرة في أنها شجرة نبق حقيقية.
والنبات في الشاهد يكون ترابيا ومائيا وهوائيا ولا يبعد من الله تعالى أن يخلقه في أي مكان شاء وقد أخبر سبحانه عن شجرة الزقوم أنها تنبت في أصل الجحيم، ويقيل: إطلاق السدرة عليها مجاز لأنها تجتمع عندها الملائكة عليهم السلام كما يجتمع الناس في ظل السدرة، والْمُنْتَهى اسم مكان وجوز كونه مصدرا ميميا، وقيل: لها سِدْرَةِ الْمُنْتَهى لأنها كما أخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن عباس إليها ينتهي علم كل عالم وما وراءها لا يعلمه إلا الله تعالى، أو لأنها ينتهي إليها علم الأنبياء عليهم السلام ويعزب علمهم عما وراءها. أو لأنها تنتهي إليها أعمال الخلائق بأن تعرض على الله تعالى عندها أو لأنها ينتهي إليها ما ينزل من فوقها وما يصعد من تحتها. أو لأنها تنتهي إليها أرواح الشهداء أو أرواح المؤمنين مطلقا. أو لانتهاء من رفع إليها في الكرامة، وفي الكشاف كأنها منتهى الجنة وآخرها، وإضافة سِدْرَةِ إلى الْمُنْتَهى من إضافة الشيء لمحله كما في أشجار البستان، وجوز أن تكون من إضافة المحل إلى الحال كما في قولك كتاب الفقه، وقيل: يجوز أن يكون المراد بالمنتهى الله عز وجل فالإضافة من إضافة الملك إلى المالك أي سِدْرَةِ الله الذي إليه الْمُنْتَهى كما قال سبحانه: وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى [النجم: ٤٢] وعد ذلك من باب الحذف والإيصال ولا يخفى أن هذا القول يكاد يكون المنتهى في البعد عِنْدَها أي عند السدرة، وجوز أن يكون الضمير للنزلة وهو نازل عن رتبة القبول جَنَّةُ الْمَأْوى التي يأوي إليها المتقون يوم القيامة كما روي عن الحسن، واستدل به على أن الجنة في السماء، وقال ابن عباس بخلاف عنه وقتادة: هي جنة تأوي إليها أرواح الشهداء وليست بالتي وعد المتقون، وقيل: هي جنة تأوي إليها الملائكة عليهم السلام والأول أظهر، والمأوى على ما نص عليه الجمهور اسم مكان وإضافة الجنة إليه بيانية، وقيل: من إضافة الموصوف إلى الصفة كما في مسجد الجامع، وتعقب بأن اسم المكان لا يوصف به، والجملة حالية، وقيل: الحال هو الظرف، وجَنَّةُ مرتفع به على الفاعلية، وقرأ علي كرم الله تعالى وجهه وأبو الدرداء وأبو هريرة وابن الزبير وأنس وزر ومحمد بن كعب وقتادة:«جنه» بهاء الضمير وهو ضمير النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، وجن فعل ماض أي عندها ستره إيواء الله تعالى: وجميل صنعه به، أو ستره المأوى بظلاله ودخل فيه على أن الْمَأْوى مصدر ميمي، أو اسم مكان، وجنه بمعنى ستره، قال أبو البقاء: شاذ والمستعمل أجنه، ولهذا قالت عائشة رضي الله تعالى عنها وكذا جمع الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين: من قرأ به فأجنه الله تعالى أي جعله مجنونا أو أدخله الجنن وهو القبر،