عما قبله أي عنده علم بالأمور الغيبية فهو بسبب ذلك يعلم أن صاحبه يتحمل عنه يوم القيامة ما يخافه، وقيل: يرى أن ما سمعه من القرآن باطل: وقال الكلبي: المعنى أأنزل عليه قرآن فرأى أن ما صنعه حق، وأيا ما كان- فيرى- من الرؤية القلبية، وجوز أن تكون من الرؤية البصرية أي فهو يبصر ما خفي عن غيره مما هو غيب أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ أي بل ألم يخبر.
بِما فِي صُحُفِ مُوسى وهي التوراة وَإِبْراهِيمَ وبما في صحف إبراهيم التي نزلت عليه الَّذِي وَفَّى أي وفر وأتم ما أمر به، أو بالغ في الوفاء بما عاهد عليه الله تعالى، وقال ابن عباس: وفى بسهام الإسلام كلها ولم يوفها أحد غيره وهي ثلاثون سهما منها عشرة في براءة إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ [التوبة:
١١١] الآيات، وعشرة في الأحزاب إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ [الأحزاب: ٣٥] الآيات، وست في- قد أفلح المؤمنون- الآيات التي في أولها، وأربع في سأل سائل وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ [المعارج: ٢٦] الآيات، وفي حديث ضعيف عن أبي أمامة يرفعه، وفّى بأربع ركعات كان يصليهن في كل يوم، وفي رواية يصليهن أول النهار.
وأخرج أحمد من حديث معاذ بن أنس مرفوعا أيضا «ألا أخبركم لم سمى الله تعالى إبراهيم خليله الذي وفى لأنه كان يقول كلما أصبح وأمسى سبحان الله حين تمسون وحين تصبحون الآية»
وقال عكرمة: وَفَّى بتبليغ هذه العشرة أن لا تزر إلى آخره «وقيل، وقيل:» والأولى العموم وهو مروي عن الحسن قال: ما أمره الله تعالى بشيء إلا وفى به وتخصيصه عليه السلام بهذا الوصف لاحتماله ما لا يحتمله غيره، وفي قصة الذبح ما فيه كفاية وخص هذان النبيان عليهما السلام بالذكر قيل: لأنه فيما بين نوح وإبراهيم كانوا يأخذون الرجل بابنه وبأبيه وعمه وخاله، والزوج بامرأته، والعبد بسيده فأول من خالفهم إبراهيم وقرر ذلك موسى ولم يأت قبله مقرر مثله عليه السلام، وتقديمه لما أن صحفه أشهر عندهم وأكثر، وقرأ أبو أمامة الباهلي وسعيد بن جبير وأبو مالك الغفاري وابن السميفع وزيد بن علي «وفى» بتخفيف الفاء أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى
أي إنه لا تحمل نفس من شأنها الحمل حمل نفس أخرى على أن (أن) هي المخففة من الثقيلة وضمير الشأن الذي هو اسمها محذوف، والجملة المنفية خبرها ومحل الجملة الجر على أنها بدل مما في صحف موسى، أو الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف والاستئناف بياني كأنه قيل: ما في صحفهما؟ فقيل: هو أَلَّا تَزِرُ إلخ، والمعنى أنه لا يؤاخذ أحد بذنب غيره ليتخلص الثاني عن عقابه، ولا يقدح في ذلك
قوله صلى الله تعالى عليه وسلم: «من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من علم بها إلى يوم القيامة»
فإن ذلك وزر الإضلال الذي هو وزره لا وزر غيره، وقوله تعالى: وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى بيان لعدم إثابة الإنسان بعمل غيره إثر بيان عدم مؤاخذته بذنب غيره وَأَنْ كأختها السابقة، وما مصدرية وجوز كونها موصولة أي ليس له إلا سعيه، أو إلا الذي سعى به وفعله، واستشكل بأنه وردت أخبار صحيحة بنفع الصدقة عن الميت، منها ما
أخرجه مسلم والبخاري وأبو داود والنسائي عن عائشة «أن رجلا قال لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: إن أمي افتلتت نفسها وأظنها لو تكلمت تصدقت فهل لها أجر إن تصدقت عنها؟ قال: نعم»
وكذا بنفع الحج.
أخرج البخاري ومسلم والنسائي عن ابن عباس قال: «أتى رجل النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فقال: إن أختي نذرت لأن تحج وأنها ماتت فقال النبي عليه الصلاة والسلام: لو كان عليها دين أكنت قاضيه؟ قال: نعم قال:
فحق الله أحق بالقضاء»
وأجيب بأن الغير لما نوى ذلك الفعل له صار بمنزلة الوكيل عنه القائم مقامه شرعا فكأنه بسعيه، وهذا لا يتأتى إلا بطريق عموم المجاز، أو الجمع بين الحقيقة والمجاز عند من يجوزه، وأجيب أيضا بأن سعي غيره لما لم ينفعه إلا مبنيا على سعي نفسه من الإيمان فكأنه سعيه، ودل على بنائه على ذلك ما
أخرجه أحمد عن