استهزاء مع كونه أبعد شيء من ذلك وَلا تَبْكُونَ حزنا على ما فرطتم في شأنه وخوفا من أن يحيق بكم ما حاق بالأمم المذكورة وَأَنْتُمْ سامِدُونَ أي لاهون كما روي عن ابن عباس جوابا لنافع بن الأزرق، وأنشد عليه قول هزيلة بنت بكر وهي تبكي قوم عاد:
ليت عادا قبلوا الحق ... ولم يبدوا جحودا
قيل: قم فانظر إليهم ... ثم دع عنك السمودا
وفي رواية أنه رضي الله تعالى عنه سئل عن السمود، فقال: البرطمة وهي رفع الرأس تكبرا أي وأنتم رافعون رؤوسكم تكبرا، وروي تفسيره بالبرطمة عن مجاهد أيضا، وقال الراغب: السامد اللاهي الرافع رأسه- من سمد البعير في سيره- إذا رفع رأسه، وقال أبو عبيدة: السمود الغناء بلغة حمير يقولون: يا جارية اسمدي لنا أي غني لنا، وروي نحوه عن عكرمة، وأخرج عبد الرازق. والبزار وابن جرير والبيهقي في سننه. وجماعة عن ابن عباس أنه قال: هو الغناء باليمانية وكانوا إذا سمعوا القرآن غنوا تشاغلا عنه، وقيل: يفعلون ذلك ليشغلوا الناس عن استماعه، والجملة الاسمية على جميع ذلك حال من فاعل- لا تبكون- ومضمونها قيد للنفي والإنكار متوجه إلى نفي البكاء ووجود السمود، وقال المبرد: السمود الجمود والخشوع كما في قوله:
رمى الحدثان نسوة آل سعد ... بمقدار سمدن له سمودا
فرد شعورهن السود بيضا ... ورد وجوههن البيض سودا
والجملة عليه حال من فاعل- تبكون- أيضا إلا أن مضمونها قيد للمنفى، والإنكار وارد على نفي البكاء والسمود معا فلا تغفل، وفي حرف أبيّ وعبد الله- تضحكون- بغير واو، وقرأ الحسن- تعجبون تضحكون- بغير واو وضم التاءين وكسر الجيم والحاء، واستدل بالآية كما
في أحكام القرآن على استحباب البكاء عند سماع بكى أصحاب الصفة حتى جرت دموعهم على خدودهم فلما سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلم حنينهم بكى معهم فبكينا ببكائه فقال عليه الصلاة والسلام: لا يلج النار من بكى من خشية الله تعالى ولا يدخل الجنة مصرّ على معصيته ولو لم تذنبوا لجاء الله تعالى بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم»
وأخرج أحمد في الزهد وابن أبي شيبة وهناد وغيرهم بمن صالح أبي الخليل قال: «لما نزلت هذه الآية أَفَمِنْ هذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ ما ضحك النبي صلّى الله عليه وسلم بعد ذلك إلا أن يتبسم»
ولفظ عبد بن حميد «فما رئي النبي عليه الصلاة والسلام ضاحكا ولا مبتسما حتى ذهب من الدنيا»
وفيه سد باب الضحك عند قراء القرآن ولو لم يكن استهزاء والعياذ بالله عز وجل.
فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا الفاء لترتيب الأمر أو موجبه على ما تقرر من بطلان مقابلة القرآن بالتعجب والضحك وحقية مقابلته بما يليق به، ويدل على عظم شأنه أي وإذا كان الأمر كذلك فاسجدوا لله تعالى الذي أنزله واعبدوه جل جلاله، وهذه آية سجدة عند أكثر أهل العلم، وقد سجد النبي صلى الله تعالى عليه وسلم عندها.
أخرج الشيخان وأبو داود والنسائي وابن مردويه عن ابن مسعود قال: «أول سورة أنزلت فيها سجدة وَالنَّجْمِ فسجد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وسجد الناس كلهم إلا رجلا» الحديث.
وأخرج ابن مردويه والبيهقي في السنن عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما «قال: صلى بنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فقرأ النجم فسجد بنا فأطال السجود»
وكذا عمر رضي الله تعالى عنه، أخرج سعيد بن منصور عن سبرة قال: صلى بنا عمر بن الخطاب الفجر فقرأ في الركعة الأولى سورة يوسف، ثم قرأ في الثانية سورة النجم فسجد، ثم قام فقرأ إذا زلزلت ثم ركع، ولا يرى مالك السجود هنا، واستدل له بما أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود والترمذي