التي تحصب ولم يرد بها الحدوث كما في ناقة ضامر وهو وجه التذكير، وقال ابن عباس: هو ما حصبوا به من السماء من الحجارة في الريح، وعليه قول الفرزدق:
مستقبلين شمال الشام تضربنا ... بحاصب كنديف القطن منثور
إِلَّا آلَ لُوطٍ خاصته المؤمنين به، وقيل: آله ابنتاه نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ أي في سحر وهو آخر الليل، وقيل:
السدس الأخير منه، وقال الراغب: السحر والسحرة اختلاط ظلام آخر الليل بصفاء النهار وجعل اسما لذلك الوقت، ويجوز كون الباء للملابسة والجار والمجرور في موضع الحال أي ملتبسين بِسَحَرٍ داخلين فيه نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنا أي إنعاما منا وهو علة لنجينا، ويجوز نصبه بفعل مقدر من لفظه، أو بنجينا لأن التنجية إنعام فهو كقعدت جلوسا كَذلِكَ أي مثل ذلك الجزاء العجيب نَجْزِي مَنْ شَكَرَ نعمتنا بالإيمان والطاعة وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ لوط عليه السلام بَطْشَتَنا أخذتنا الشديدة بالعذاب.
وجوز أن يراد بها نفس العذاب فَتَمارَوْا فكذبوا بِالنُّذُرِ متشاكين، فالفعل مضمن معنى التكذيب ولولاه تعدى بفي وَلَقَدْ راوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ صرفوه عن رأيه فيهم وطلبوا الفجور بهم وهذا من إسناد ما للبعض للجميع لرضاهم به فَطَمَسْنا أَعْيُنَهُمْ أي أزلنا أثرها وذلك بمسحها وتسويتها كسائر الوجه، وهو كما قال عبيدة، وروي أن جبريل عليه السلام استأذن ربه سبحانه في عقوبتهم ليلة جاؤوا وعالجوا الباب ليدخلوا عليهم فصفقتهم بجناحه فتركهم عميانا يترددون لا يهتدون إلى طريق خروجهم حتى أخرجهم لوط عليه السلام وقال ابن عباس والضحاك: إنما حجب إدراكهم فدخلوا المنزل ولم يروا شيئا فجعل ذلك كالطمس فعبر به عنه.
وقرأ ابن مقسم «فطمّسنا» بتشديد الميم للتكثير في المفعول فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ أي فقلنا لهم ذلك على ألسنة الملائكة عليهم السلام، فالقول في الحقيقة لهم وأسند إليه تعالى مجازا لأنه سبحانه الآمر أو القائل ظاهر الحال فلا قول وإنما هو تمثيل، والمراد بالعذاب الطمس وهو من جملة ما أنذروه.
وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً أو النهار وهي أخص من الصباح فليس في ذكرها بعده زيادة وكان ذلك أول شروق الشمس، وقرأ زيد بن علي «بكرة» غير مصروفة للعلمية والتأنيث على أن المراد بها أول نهار مخصوص.
عَذابٌ مُسْتَقِرٌّ يستقر بهم ويدوم حتى يسلمهم إلى النار، أو لا يدفع عنهم، أو يبلغ غايته.
فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ حكاية لما قيل لهم بعد التصحيح من جهته تعالى تشديدا للعذاب، أو هو تمثيل.
وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ تقدم ما فيه من الكلام وَلَقَدْ جاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ صدرت قصتهم بالتوكيد القسمي الإبراز كمال الاعتناء- بشأنها لغاية عظم ما فيها من الآيات وكثرتها وهول ما لا قوه من العذاب وقوة إيجابها للاتعاظ والاكتفاء بذكر آل فرعون للعلم بأنه نفسه أولى بذلك فإنه رأس الطغيان ومدعي الألوهية، والقول: بأنه إشارة إلى إسلامه مما لا يلتفت إليه، والنُّذُرُ إن كان جمع نذير بمعنى الإنذار فالأمر ظاهر وكذا إن كان مصدرا، وأما إن كان جمع نذير بمعنى المنذر فالمراد به موسى وهارون وغيرهما لأنهما عرضا عليهم ما أنذر به المرسلون أي وبالله تعالى لقد جاءهم المنذرون، أو الإنذرات، أو الإنذار، وقوله تعالى: كَذَّبُوا بِآياتِنا كُلِّها استئناف مبني على سؤال نشأ من حكاية مجيء النذر كأنه قيل: فماذا فعل آل فرعون حينئذ؟ فقيل: كذبوا بجميع آياتنا وهي آيات الأنبياء كلهم عليهم السلام فإن تكذيب البعض تكذيب للكل، أو هي الآيات التسع، وجوز الواحدي أن يراد بالنذر نفس الآيات فقوله سبحانه: بِآياتِنا من إقامة الظاهر مقام الضمير والأصل كذبوا بها، وزعم بعض غلاة الشيعة