الخبر والإسناد مجازي، ومُنْتَصِرٌ على ما سمعت إما بمعنى ممتنع يقال: نصره فانتصر إذا منعه فامتنع.
والمراد بالامتناع عدم المغلوبية أو هو بمعنى منتقم من الأعداء أو هو من النصر بمعنى العون والافتعال بمعنى التفاعل كالاختصام والتخاصم وكان الظاهر منتصرون إلا أنه أفرد باعتبار لفظ الجميع فإنه مفرد لفظا جمع معنى ورجح هنا جانب اللفظ عكس بل أنتم قوم تجهلون لخفة الإفراد مع رعاية الفاصلة وليس في الآية رعاية جانب المعنى أولا، ثم رعاية جانب اللفظ ثانيا على عكس المشهور، وإن كان ذلك جائزا على الصحيح كما لا يخفى على الخبير، وقرأ أبو حيوة وموسى الأسواري وأبو البرهسم- أم تقولون- بتاء الخطاب، وقوله تعالى: سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ رد لقولهم ذلك والسين للتأكيد أي يهزم جمعهم البتة وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ أي الإدبار، وقد قرىء كذلك، والإفراد لإرادة الجنس الصادق على الكثير مع رعاية الفواصل ومشاكلة القرائن، أو لأنه في تأويل يولي كل واحد منهم دبره على حدّ: كسانا الأمير حلة مع الرعاية المذكورة أيضا وقد كان هذا يوم بدر وهو من دلائل النبوة لأن الآية مكية، وقد نزلت حيث لم يفرض جهاد ولا كان قتال ولذا قال عمر رضي الله تعالى عنه: يوم نزلت أي جمع يهزم أي من جموع الكفار؟ ولم يتعرض لقتال أحد منهم، وقد تقدم الخبر.
ومما أشرنا إليه يعلم أن قول الطيبي في هذه الرواية نظر لأن همزة الإنكار في أَمْ يَقُولُونَ إلخ دلت على أن المنهزمين من هم ناشىء عن الغفلة عن مراد عمر رضي الله تعالى عنه، وقرأ أبو حيوة وموسى الأسواري وأبو البرهسم- ستهزم الجمع- بفتح التاء وكسر الزاي خطابا لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ونصب الجمع على المفعولية، وقرأ أبو حيوة أيضا ويعقوب- سنهزم- بالنون مفتوحة وكسر الزاي على إسناد الفعل إلى ضمير العظمة، وعن أبي حيوة وابن أبي عبلة «سيهزم الجمع» بفتح الياء مبنيا للفاعل ونصب الجمع أي سيهزم الله تعالى الجمع، وقرأ أبو حيوة وداود ابن أبي سالم عن أبي عمرو- وتولون- بتاء الخطاب بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ أي ليس هذا تمام عقوبتهم بل الساعة موعد عذابهم وهذا من طلائعه وَالسَّاعَةُ أَدْهى أي أعظم داهية وهي الأمر المنكر الفظيع الذي لا يهتدى إلى الخلاص عنه وَأَمَرُّ وأشد مرارة في الذوق وهو استعارة لصعوبتها على النفس: وقيل: أقوى وليس بذاك وإظهار الساعة في موضع إضمارها لتربية تهويلها إِنَّ الْمُجْرِمِينَ من الأولين والآخرين فِي ضَلالٍ في هلاك وَسُعُرٍ ونيران مسعرة أو في ضلال عن الحق ونيران في الآخرة، وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: في خسران وجنون، وقوله تعالى: يَوْمَ يُسْحَبُونَ أي يجرون فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ متعلق بقول مقدر بعده أي يوم يسحبون يقال لهم ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ وجوز أن يكون متعلقا بمقدار يفهم مما قبل أي يعذبون، أو يهانون، أو نحوه، وجملة القول عليه حال من ضمير يُسْحَبُونَ وجوز كونه متعلقا- بذوقوا- على أن الخطاب للمكذبين المخاطبين في قوله تعالى: أَكُفَّارُكُمْ إلخ أي ذوقوا أيها المكذبون محمدا صلى الله تعالى عليه وسلم يوم يسحب المجرمون المتقدمون، والمراد حشرهم معهم والتسوية بينهم في الآخرة كما ساؤوهم في الدنيا وهو كما ترى، والمراد- بمس سقر- ألمها على أنه مجاز مرسل عنه بعلاقة السببية فإن مسها سبب للتألم بها وتعلق الذوق بمثل ذلك شائع في الاستعمال، وفي الكشاف مَسَّ سَقَرَ كقولك وجد مس الحمى وذاق طعم الضرب لأن النار إذا أصابتهم بحرّها ولحقتهم بإيلامها فكأنها تمسهم مسا بذلك كما يمس الحيوان ويباشر بما يؤذي ويؤلم، وهو مشعر بأن في الكلام استعارة مكنية نحو يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ [الرعد: ٢٥] ويحتمل غير ذلك، وسَقَرَ علم لجهنم- أعاذنا الله تعالى منها ببركة كلامه العظيم وحرمة حبيبه عليه أفضل الصلاة وأكمل التسليم- من سقرته للنار وصقرته بإبدال السين صادا لأجل القاف إذا لوحته وغيرت لونه قال ذو الرمة يصف ثور الوحش: