منسوب إلى- الكرس- بالكسر وهو الملبد وجمعه كراسي- كبختي وبخاتي- وفيه لغتان ضم كافة- وهي المشهورة- وكسرها للاتباع والجمهور على فتح الواو والعين، وكسر السين في وَسِعَ على أنه فعل والكرسي فاعله، وقرىء بسكون السين مع كسر الواو- كعلم- في علم، ويفتح الواو وسكون السين ورفع العين مع جر- كرسيه- ورفع السماوات فهو حينئذ مبتدأ مضاف إلى ما بعده والسَّماواتِ وَالْأَرْضَ خبره وَلا يَؤُدُهُ- أي لا يثقله- كما قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما- وهو مأخوذ من الأود بمعنى الاعوجاج لأن الثقيل يميل له ما تحته، وماضيه آد، والضمير لله تعالى وقيل: الكرسي حِفْظُهُما أي السماوات والأرض وإنما لم يتعرض لذكر ما فيهما لما أن حفظهما مستتبع لحفظه، وخصهما بالذكر دون الكرسي لأن حفظهما هو المشاهد المحسوس، والقول بالاستخدام ليدخل هو والعرش وغيرها مما لا يعلمه إلا الله تعالى بعيد وَهُوَ الْعَلِيُّ أي المتعالي عن الأشباه، والأنداد، والأمثال، والأضداد، وعن امارات النقص، ودلالات الحدوث، وقيل: هو من العلو الذي هو بمعنى القدرة والسلطان والملك وعلو الشأن والقهر والاعتلاء والجلال والكبرياء الْعَظِيمُ ذو العظمة وكل شيء بالإضافة إليه حقير ولما جليت على منصة هذه الآية الكريمة عرائس المسائل الإلهية وأشرقت على صفحاتها أنوار الصفات العلية حيث جمعت أصول الصفات من الألوهية، والوحدانية، والحياة، والعلم، والملك، والقدرة، والإرادة، واشتملت على سبعة عشر موضعا فيها اسم الله تعالى ظاهرا في بعضها ومستترا في البعض ونطقت بأنه سبحانه موجود منفرد في ألوهيته حي واجب الوجود لذاته موجد لغيره منزه عن التحيز والحلول مبرأ عن التغير والفتور لا مناسبة بينه وبين الأشباح ولا يحل بساحة جلاله ما يعرض النفوس والأرواح مالك الملك والملكوت ومبدع الأصول والفروع ذو البطش الشديد العالم وحده يجلي الأشياء وخفيها وكليها وجزئيها واسع الملك والقدرة لكل ما من شأنه أن يملك ويقدر عليه لا يشق عليه شاق ولا يثقل شيء لديه متعال عن كل ما لا يليق بجنابه عظيم لا يستطيع طير الفكر أن يحوم في بيداء صفات قامت به تفردت بقلائد فضل خلت عنها أجياد أخواتها الجياد وجواهر خواص تتهادى بها بين أترابها ولا كما تتهادى لبنى وسعاد.
أخرج مسلم، وأحمد، وغيرهما عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم أنه قال:«إن أعظم آية في القرآن آية الكرسي»
وأخرج البيهقي من حديث أنس مرفوعا «من قرأ آية الكرسي في دبر كل صلاة مكتوبة حفظ إلى الصلاة لأخرى ولا يحافظ عليها إلا نبي أو صديق أو شهيد»
وأخرج الديلمي عن علي كرم الله تعالى وجهه أنه قال:«لو تعلمون ما فيها لما تركتموها على حال أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال: أعطيت آية الكرسي من كنز تحت العرش لم يؤتها نبي قبلي»
والأخبار في فضلها كثيرة شهيرة إلا أن بعضها مما لا أصل له
كخبر من قرأها بعث لله تعالى ملكا يكتب من حسناته ويمحو من سيئاته إلى الغد من تلك الساعة،
وبعضها منكر جدا
كخبر «إن الله تعالى أوحى إلى موسى عليه السلام أن اقرأ آية الكرسي في دبر كل صلاة مكتوبة فإنه من يقرؤها في دبر كل صلاة مكتوبة أجعل له قلب الشاكرين ولسان الذاكرين وثواب المنيبين وأعمال الصديقين» .
ولا يخفى أن أكثر الأحاديث في هذا الباب حجة لمن قال: إن بعض القرآن قد يفضل على غيره وفيه خلاف فمنعه بعضهم كالأشعري. والباقلاني وغيرهما لاقتضائه نقص المفضول وكلام الله تعالى لا نقص فيه، وأوّلوا أعظم بعظيم وأفضل بفاضل، وأجازه إسحق بن راهويه، وكثير من العلماء، والمتكلمين- وهو المختار- ويرجع إلى عظم أجر قارئه ولله تعالى إن يخص ما شاء بما شاء لما شاء، ومناسبة هذه الآية الكريمة لما قبلها أنه سبحانه لما ذكر أن الكافرين هم الظالمون ناسب ن ينبههم جل شأنه على العقيدة الصحيحة التي هي محض التوحيد الذي درج عليه المرسلون