يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ استئناف يجري مجرى التعليل لانتفاء السؤال، والْمُجْرِمُونَ قيل: من وضع الظاهر موضع الضمير للإشارة إلى أن المراد بعض من الإنس وبعض من الجن وهم المجرمون فيكون ذلك كقوله تعالى: لا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ [القصص: ٧٨] ، وسيماهم- على ما روي عن الحسن سواد الوجوه وزرقة العيون، وقيل: ما يعلوهم من الكآبة والحزن، وجوز أن تكون أمورا أخر- كالعمى. والبكم. والصمم..
وقرأ حماد بن سليمان بسيمائهم فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي جمع ناصية وهي مقدم الرأس وَالْأَقْدامِ جمع قدم وهي قدم الرجل المعروفة والباء للآلة مثلها في أخذت بخطام الدابة، والجار والمجرور نائب الفاعل وقال أبو حيان: إن الباء للتعدية والفعل مضمن معنى ما يعدى بها أي فيسحب بالنواصي إلخ، وفيه بحث وظاهر كلام غير واحد أن- أل- عوض عن المضاف إليه الضمير أي بنواصيهم وأقدامهم، ونص عليه أبو حيان فقال:- أل- فيهما عوض عن الضمير على مذهب الكوفيين، والضمير محذوف على مذهب البصريين أي بالنواصي والأقدام منهم، وأنت تعلم أن الخلاف بين أهل البلدين فيما إذا احتيج إلى الضمير للربط ولا احتياج إليه هنا، نعم المعنى على الضمير وكيفية هذا الأخذ على ما روي عن الضحاك أن يجمع الملك بين ناصية أحدهم وقدميه في سلسلة من وراء ظهره ثم يكسر ظهره ويلقيه في النار، وقيل: تأخذ الملائكة عليهم السلام بعضهم سحبا بالناصية وبعضهم سحبا بالقدم، وقيل: تسحبهم الملائكة عليهم السلام تارة بأخذ النواصي وتارة بأخذ الأقدام، فالواو بمعنى أو التي للتقسيم وهو خلاف الظاهر، وإبهام الفاعل لأنه كالمتعين، وقيل: للرمز إلى عظمته
فقد أخرج ابن مردويه والضياء المقدسي في صفة النار عن أنس قال: سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يقول: «والذي نفسي بيده لقد خلقت ملائكة جهنم قبل أن تخلق جهنم بألف عام فهم كل يوم يزدادون قوة إلى قوتهم حتى يقبضوا على من قبضوا بالنواصي والأقدام»
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ يقال فيه نحو ما تقدم، وقوله تعالى: هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ مقول قول مقدر معطوف على قوله تعالى: (يؤخذ) إلخ أي ويقال هذه إلخ أو مستأنف في جواب ماذا يقال لهم لأنه مظنة للتوبيخ والتقريع، أو حال من أصحاب النواصي بناء على أن التقدير نواصيهم أو النواصي منهم، وما في البين اعتراض على الأول والأخير وكان أصل الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ التي كذبتم بها فعدل عنه لما ذكر للدلالة على استمرار ذلك وبيان لوجه توبيخهم وعلته.
يَطُوفُونَ بَيْنَها أي يترددون بين نارها وَبَيْنَ حَمِيمٍ ماء حار آنٍ متناه إناه وطبخه بالغ في الحرارة أقصاها، قال قتادة: الحميم يغلي منذ خلق الله تعالى جهنم والمجرم ويعاقب بين تصلية النار وشرب الحميم، وقيل:
يحرقون في النار ويصب على رؤوسهم الحميم، وقيل: إذا استغاثوا من النار جعل غياثهم الحميم، وقيل: يغمسون في واد في جهنم يجتمع فيه صديد أهل النار فتنخلع أوصالهم ثم يخرجون منه وقد أحدث الله تعالى لهم خلقا جديدا، وعن الحسن أنه قال: حَمِيمٍ آنٍ النحاس انتهى حره، وقيل: آنٍ حاضر.
وقرأ السلمي يطافون، والأعمش وطلحة وابن مقسم يَطُوفُونَ بضم الياء وفتح الطاء وكسر الواو مشددة، وقرىء «يطّوفون» أي يتطوفون فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ هو أيضا كما تقدم وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ إلخ شروع في تعديد الآلاء التي تفاض في الآخرة، ومَقامَ مصدر ميمي بمعنى القيام مضاف إلى الفاعل أي وَلِمَنْ خافَ قيام ربه وكونه مهيمنا عليه مراقبا له حافظا لأحواله، فالقيام هنا مثله في قوله تعالى:
أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ [الرعد: ٣٣] وهذا مروي عن مجاهد وقتادة، أو هو اسم مكان، والمراد به مكان وقوف الخلق في يوم القيامة للحساب، والإضافة إليه تعالى لامية اختصاصية لأن الملك له عز