الجنة وأيد بظواهر كثير من الآثار،
أخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول والبغوي في تفسيره والديلمي في مسند الفروس وابن النجار في تاريخه عن أنس قال: «قرأ رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ فقال: وهل تدرون ما قال ربكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم قال: يقول: هل جزاء من أنعمت عليه بالتوحيد إلا الجنة»
وأخرج ابن النجار في تاريخه عن علي كرم الله تعالى وجهه مرفوعا بلفظ «قال الله عز وجل هل جزاء من أنعمت عليه»
إلخ ووراء ذلك أقوال تقرب من مائة قول، واختير العموم ويدخل التوحيد دخولا أوليا، والصوفية أوردوا الآية في باب الإحسان وفسروه بما
في الحديث «أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك»
قالوا: فهو اسم يجمع أبواب الحقائق، وقرأ ابن أبي إسحاق إلا الحسان يعني بالحسان قاصرات الطرف اللاتي تقدم ذكرهن فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ وقوله تعالى: وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ مبتدأ وخبر أي ومن دون تينك الجنتين في المنزلة والقدر جنتان أخريان، قال ابن زيد والأكثرون الأوليان للسابقين وهاتان لأصحاب اليمين،
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي موسى عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم في قوله تعالى: وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ [الرحمن: ٤٦] وقوله سبحانه: وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ قال: «جنتان من ذهب للمقربين وجنتان من ورق لأصحاب اليمين»
وقال الحسن: الأوليان للسابقين والأخريان للتابعين، وروي موقوفا وصححه الحاكم عن أبي موسى، وزعم بعضهم أن الأوليين للخائفين والأخريين لذرياتهم الذين ألحقوا بهم ولم أجد له مستندا من الآثار، وحكي في البحر عن ابن عباس أنه قال: وَمِنْ دُونِهِما في القرب للمنعمين والمؤخرتا الذكر أفضل من الأوليين، وادعى أن الصفات الآتية أمدح من الصفات السابقة ووافقه من وافقه، وسيأتي تمام الكلام في ذلك إن شاء الله تعالى.
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ وقوله تعالى: مُدْهامَّتانِ صفة لجنتان وسط بينها الاعتراض لما تقدم من التنبيه على أن تكذيب كل من الموصوف والصفة حقيق بالإنكار والتوبيخ أو خبر مبتدأ محذوف أي هما مدهامتان من الدهمة وهي في الأصل على ما قال الراغب سواد الليل ويعبر بها عن سواد الفرس وقد يعبر بها عن الخضرة الكاملة اللون كما يعبر عنها بالخضرة إذا لم تكن كاملة وذلك لتقاربهما في اللون، ويقال: ادهام ادهيماما فهو مدهام على وزن مفعال إذا اسود أو اشتدت خضرته، وفسرها هنا ابن عباس ومجاهد وابن جبير وعكرمة وعطاء ابن أبي رباح وجماعة بخضراوان، بل
أخرج الطبراني وابن مردويه عن أبي أيوب رضي الله تعالى عنه قال: «سألت النبي صلى الله تعالى عليه وسلم عن قوله تعالى: مُدْهامَّتانِ فقال عليه الصلاة والسلام:
خضراوان»
والمراد أنهما شديدتا الخضرة والخضرة إذا اشتدت ضربت إلى السواد وذلك من الري من الماء كما روي عن ابن عباس وابن الزبير وأبي صالح قيل: إن في وصف هاتين الجنتين بما ذكر إشعارا بأن الغالب عليهما النبات والرياحين المنبسطة على وجه الأرض كما أن في وصف السابقتين بذواتا أفنان إشعارا بأن الغالب عليهما الأشجار فإن الأشجار توصف بأنها ذوات أفنان والنبات يوصف بالخضرة الشديدة فالاقتصار في كل منهما على أحد الأمرين مشعر بما ذكر وبني على هذا كون هاتين الجنتين دون الأوليين في المنزلة والقدر كيف لا والجنة الكثيرة الظلال والثمار أعلى وأغلى من الجنة القليلة الظلال والثمار، ومن ذهب إلى تفضيل هاتين الجنتين مع اختصاص الوصف بالخضرة بالنبات وكذا كونه أغلب من وصف الأشجار به فكثيرا ما تسمع الناس يقولون إذا مدحوا بستانا أشجاره خضر يانعة وهو أظهر في مدحه بأنه ذو ثمار من ذي أفنان، وهو يشعر أيضا بكثر مائه والاعتناء بشأنه وبعده عن التصوح والهلاك.
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ فِيهِما عَيْنانِ نَضَّاخَتانِ فوارتان بالماء على ما هو الظاهر، وفي البحر