فإنه لا يقال فيه خيرون ولا خيرات، ولعله لأن أصل اسم التفضيل أن لا يجمع خصوصا إذا نكر، وقرأ بكر بن حبيب وأبو عثمان النهدي وابن مقسم «خيّرات» بتشديد الياء وهو يؤيد أن أصله كذلك، وروي عن أبي عمرو «خيرات» بفتح الياء كأنه جمع خائرة جمع على فعلة حِسانٌ قيل: أي حسان الخلق والخلق.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن قتادة أنه قال في الآية: خَيْراتٌ الأخلاق حِسانٌ الوجوه، وأخرج ذلك ابن جرير والطبراني وابن مردويه عن أم سلمة مرفوعا.
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ وقوله تعالى: حُورٌ بدل من خَيْراتٌ وهو جمع حوراء وكذا جمع أحور،
والمراد بيض كما أخرجه ابن المنذر وغيره عن ابن عباس وروته أم سلمة أيضا عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم:
وقال ابن الأثير: الحوراء هي الشديدة بياض العين الشديدة سوادها، وفي القاموس الحور بالتحريك أن يشتد بياض بياض العين وسواد سوادها وتستدير حدقتها وترق جفونها ويبيض ما حواليها أو شدة بياضها وسوادها في بياض الجسد، أو اسوداد العين كلها مثل الظباء ولا يكون في بني آدم بل يستعار لها. وإذا صح حديث أم سلمة لم يعدل في القرآن عن تفسير رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم.
مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ أي مخدرات يقال: امرأة قصيرة ومقصورة أي مخدرة ملازمة لبيتها لا تطوف في الطرق، قال كثير عزة:
وأنت التي حبّبت كل قصيرة ... إليّ ولم تشعر بذاك القصائر
عنيت قصيرات الحجال ولم أرد ... قصار الخطا شر النساء البحاتر
والنساء يمدحن بملازمتهن البيوت لدلالتها على صيانتهن كما قال قيس بن الأسلت:
وتكسل عن جاراتها فيزرنها ... وتغفل عن أبياتهن فتعذر
وهذا التفسير مأثور عن ابن عباس والحسن والضحاك وهو رواية عن مجاهد، وأخرج ابن أبي شيبة وهناد بن السري وابن جرير عنه أنه قال: مَقْصُوراتٌ قلوبهن وأبصارهن ونفوسهن على أزواجهن، والأول أظهر، وفِي الْخِيامِ عليه متعلق بمقصورات، وعلى الثاني يحتمل ذلك، ويحتمل كونه صفة ثانية لحور فلا تغفل، والخيام جمع خيمة- وهي على ما في البحر- بيت من خشب وثمام وسائر الحشيش، وإذا كان من شعر فهو بيت ولا يقال له خيمة وقال غير واحد: هي كل بيت مستدير أو ثلاثة أعواد أو أربعة يلقى عليها الثمام ويستظل بها في الحر أو كل بيت يبنى من عيدان الشجر وتجمع أيضا على خيمات وخيم بفتح فسكون وخيم بالفتح وكعنب- والخيام هنا بيوت من لؤلؤ- أخرج ابن أبي شيبة وجماعة عن ابن عباس أنه قال: الخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة أربعة فراسخ لها أربعة آلاف مصراع من ذهب، وأخرج جماعة عن أبي الدرداء أنه قال: الخيمة لؤلؤة واحدة لها سبعون بابا من در،
وأخرج البخاري ومسلم والترمذي وغيرهم عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أنه قال: الخيمة درة مجوفة طولها في السماء ستون ميلا في كل زاوية منها للمؤمن أهل لا يراهم الآخرون يطوف عليهم المؤمن
، إلى ذلك من الاخبار، وقوله سبحانه: فِيهِنَّ إلخ دون ما تقدم في الجنتين السابقتين أعني قوله عز وجل: فِيهِنَّ قاصِراتُ الطَّرْفِ إلى قوله تعالى: كَأَنَّهُنَّ الْياقُوتُ وَالْمَرْجانُ [الرحمن: ٥٨] في المدح عند من فضلهما على الأخيرتين قيل لما في مَقْصُوراتٌ على التفسير الثاني من الإشعار بالقسر في القصر، وأما على تفسيره الأول فكونه دونه ظاهر وإن لم يلاحظ كونها مخدرة فيما تقدم، أو يجعل قوله تعالى: كَأَنَّهُنَّ الْياقُوتُ وَالْمَرْجانُ كناية عنه لأنهما مما يصان كما قيل: