وتكاثف الأشجار على سبيل الترقي لأن الفواكه مستغنى عنها بما بعد وليقابل قوله تعالى: وَأَصْحابُ الشِّمالِ ما أَصْحابُ الشِّمالِ فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ [الواقعة: ٤١- ٤٣] قوله سبحانه: وَأَصْحابُ الْيَمِينِ إلخ فإذن لا مدخل لحديث الطلع في معنى الظل وما يتصل به لكن قال صاحب الكشف: إن وصف الطلح بكونه منضودا لا يظهر له كثير ملاءمة لكون المقصود منفعة التظليل وينبغي أن يحمل الطلح على أنه من عظام العضاه على ما ذكره في الصحاح فشجر أم غيلان والموز لا ظل لهما يعتد به، ثم قال ولو حمل الطلح على المشموم لكان وجها انتهى، وقد قدمنا لك خبر سبب النزول فلا تغفل وَفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ أي بحسب الأنواع والأجناس على ما يقتضيه المقام.
لا مَقْطُوعَةٍ في وقت من الأوقات كفواكه الدنيا وَلا مَمْنُوعَةٍ عمن يريد تناولها بوجه من الوجوه ولا يحظر عليها كما يحظر على بساتين الدنيا، وقرىء وَفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ بالرفع في الجميع على تقدير وهناك فاكِهَةٍ إلخ وَفُرُشٍ جمع فراش كسراج وسرج، وقرأ أبو حيوة بسكون الراء مَرْفُوعَةٍ منضدة مرتفعة أو مرفوعة على الأسرة فالرفع حسي كما هو الظاهر،
وقد أخرج أحمد والترمذي وحسنه والنسائي وجماعة عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أنه قال: ارتفاعها كما بين السماء والأرض ومسيرة ما بينهما خمسمائة عام
ولا تستبعد ذلك من حيث العروج والنزول ونحوهما فالعالم عالم آخر وراء طور عقلك.
وأخرج هناد عن الحسن أن ارتفاعها مسيرة ثمانين سنة وليس بمثابة الخبر السابق، وقال بعضهم: أي رفيعة القدر على أن رفعها معنوي بمعنى شرفها وأيا ما كان فالمراد بالفرش ما يفرش للجلوس عليه. وقال أبو عبيدة المراد بها النساء لأن المرأة يكنى عنها بالفراش كما يكنى عنها باللباس ورفعهن في الأقدار والمنازل.
وقيل: على الأرائك وأيد إرادة النساء بقوله تعالى: إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً لأن الضمير في الأغلب يعود على مذكور متقدم وليس إلا الفرش ولا يناسب العود إليه إلا بهذا المعنى والاستخدام بعيد هنا، وعلى القول في الفرش الضمير للنساء وإن لم يجر لها ذكر لتقدم ما يدل عليها فهو تتميم بيانا لمقدر يدل عليه السياق كأنه قيل: وفرش مرفوعة ونساء أو وحور عين، ثم استؤنف وصفهن بقوله سبحانه: إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ تتميما للبيان زيادة للترغيب لا لتعليل الرفع، وقيل: إن المرجع مضمر وتقدير المنزل وفرش مرفوعة لأزواجهم أو لنسائهم فإنا إلخ استئناف علة للرفع أي وفرش مرفوعة لأزواجهم لأنا أنشأناهن، والأول أوفق لبلاغة القرآن العظيم، والمراد بأنشأناهن أعدنا إنشاءهن من غير ولادة لأن المخبر عنهن بذلك نساءكن في الدنيا.
فقد أخرج ابن جرير وعبد بن حميد والترمذي وآخرون عن أنس قال: «قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: في الآية إن المنشئات اللاتي كن في الدنيا عجائز عمشا رمصا»
وأخرج الطبراني وابن أبي حاتم وجماعة عن سلمة بن مرثد الجعفي قال: «سمعت النبي صلى الله تعالى عليه وسلم يقول في قوله تعالى: إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً الثيب والأبكار اللاتي كن في الدنيا»
وأخرج الترمذي في الشمائل وابن المنذر وغيرهما عن الحسن قال: «أتت عجوز فقالت: يا رسول الله ادع الله أن يدخلني الجنة فقال: يا أم فلان إن الجنة لا تدخلها عجوز فولت تبكي قال: أخبروها أنها لا تدخلها وهي عجوز إن الله تعالى يقول: إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً
إلخ، وقال أبو حيان: الظاهر أن الإنشاء هو الاختراع الذي لم يسبق بخلق ويكون ذلك مخصوصا بالحور العين فالمعنى إنا ابتدأناهن ابتداء جديدا من غير ولادة ولا خلق أول فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً تفسير لما تقدم، والجعل إما بمعنى التصيير، وأَبْكاراً مفعول ثان، أو بمعنى الخلق و «أبكارا» حال أو مفعول ثان، والكلام من قبيل ضيق فم الركية،
وفي الحديث «إن أهل الجنة إذا جامعوا نساءهم عدن