إليه ونسب إلى الظل مجازا، والمراد أنهم يستظلون به وهم مهانون، وقد يحتمل المجلس الرديء لنيل الكرامة، وفي البحر يجوز أن يكونا صفتين- ليحموم- ويلزم منه وصف الظل بهما، وتعقب بأن وصف اليحموم وهو الدخان بذلك ليس فيه كبير فائدة! وقرأ ابن أبي عبلة «لا بارد ولا كريم» برفعهما أي لا هو بارد ولا كريم على حدّ قوله:
فأبيت لا حرج ولا محروم أي لا أنا حرج ولا محروم، وقوله تعالى: إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُتْرَفِينَ تعليل لابتلائهم بما ذكر من العذاب، وسلك هذا المسلك في تعليل الابتداء بالعذاب اهتماما بدفع توهم الظلم في التعذيب، ولما كان إيصال الثواب مما ليس فيه توهم نقص أصلا لم يسلك فيه نحو هذا، والمترف هنا بقرينة المقام هو المتروك يصنع ما يشاء لا يمنع، والمعنى أنهم عذبوا لأنهم كانوا قبل ما ذكر من العذاب في الدنيا متبعين هوى أنفسهم وليس لهم رادع منها يردعهم عن مخالفة أوامره عز وجل وارتكاب نواهيه سبحانه كذا قيل، وقيل: هو العاتي المستكبر عن قبول الحق والإذعان له، والمعنى أنهم عذبوا لأنهم كانوا في الدنيا مستكبرين عن قبول ما جاءتهم به رسلهم من الإيمان بالله عز وجل وما جاء منه سبحانه، وقيل: هو الذي أترفته النعمة أي أبطرته وأطغته، وقريب منه ما قيل: هو المنعم المنهمك في الشهوات، وعليه قول أبي السعود أي إنهم كانوا قبل ما ذكر من سوء العذاب في الدنيا منعمين بأنواع النعم من المآكل والمشارب والمساكن الطيبة والمقامات الكريمة منهمكين في الشهوات فلا جرم عذبوا بنقائضها، وتعقب بأن كثيرا من أهل الشمال ليسوا مترفين بالمعنى الذي اعتبره فكيف يصح تعليل عذاب الكل بذلك ولا يرد هذا على ما قدمناه من القولين كما لا يخفى.
ومن الناس من فسر المترف بما ذكر وتفصى عن الاعتراض بأن تعليل عذاب الكل بما ذكر في حيز العلة لا يستدعي أن يكون كل من المذكورات موجودا في كل من أصحاب الشمال بل وجود المجموع في المجموع وهذا لا يضر فيه اختصاص البعض بالبعض فتأمله، وقيل: المترف المجعول ذا ترفة أي نعمة واسعة والكل مترفون بالنسبة إلى الحالة التي يكونون عليها يوم القيامة، وهو على ما فيه لا يظهر أمر التعليل عليه وَكانُوا يُصِرُّونَ يتشددون ويمتنعون من الإقلاع ويداومون عَلَى الْحِنْثِ أي الذنب الْعَظِيمِ وفسر بعضهم الحنث بالذنب العظيم لا بمطلق الذنب وأيد بأنه في الأصل العدل العظيم فوصفه بالعظيم للمبالغة في وصفه بالعظم كما وصف الطود وهو الجبل العظيم به أيضا، والمراد به كما روي عن قتادة والضحاك وابن زيد الشرك وهو الظاهر.
وأخرج عبد بن حميد عن الشعبي أن المراد به الكبائر وكأنه جعل المعنى- وكانوا يصرون على كل حنث عظيم- وفي رواية أخرى عنه أنه اليمين الغموس وظاهره الإطلاق، وقال التاج السبكي في طبقاته: سألت الشيخ، يعني والده تقي الدين- ما الحنث العظيم؟ - فقال: هو القسم على إنكار البعث المشار إليه بقوله تعالى: وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ [النحل: ٣٨] وهو تفسير حسن لأن الحنث وإن فسر بالذنب مطلقا أو العظيم فالمشهور استعماله في عدم البر في القسم، وتعقب بأنه يأباه قوله تعالى: وَكانُوا يَقُولُونَ أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً إلى آخره للزوم التكرار، وأجيب بأن المراد بالأول وصفهم بالثبات على القسم الكاذب وبالثاني وصفهم بالاستمرار على الإنكار والرمز إلى استدلال ظاهر الفساد مع أنه لا محذور في تكرار ما يدل على الإنكار وهو توطئة وتمهيد لبيان فساده، والمراد بقولهم:- كنا ترابا وعظاما- كان بعض أجزائنا من اللحم والجلد ونحوهما ترابا وبعضها عظاما نخرة، وتقديم التراب لأنه أبعد عن الحياة التي يقتضيها ما هم بصدد إنكاره من البعث،- وإذا- متمحضة للظرفية والعامل فيها ما دل عليه قوله تعالى: أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ لا مبعوثون نفسه لتعدد ما يمنع من عمل ما بعده فيما قبله- وهو