للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تجوزا، وجوز إبقاء ذلك على ظاهره أي أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ وتنشئون نفس ذات ما تمنونه أَمْ نَحْنُ الْخالِقُونَ له من غير دخل شيء فيه- وأرأيتم- قد مر الكلام غير مرة فيه، ويقال هنا: إن اسم الموصول مفعوله الأول والجملة الاستفهامية مفعوله الثاني، وكذا يقال فيم بعد من نظائره وما يعتبر فيه الرؤية بصرية تكون الجملة الاستفهامية فيه مستأنفة لا محل لها من الإعراب، وجوز في- أنتم- أن يكون مبتدأ، والجملة بعده خبره، وأن يكون فاعلا لفعل محذوف والأصل أتخلقون فلما حذف الفعل انفصل الضمير، واختاره أبو حيان. وأَمْ قيل: منقطعة لأن ما بعدها جملة فالمعنى- بل أنحن الخالقون- على أن الاستفهام للتقرير، وقال قوم من النحاة: متصلة معادلة للهمزة كأنه قيل:

أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ ثم جيء- بالخالقون- بعد بطريق التأكيد لا بطريق الخبرية أصالة نَحْنُ قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ قسمناه عليكم ووقتنا موت كل أحد بوقت معين حسبما تقتضيه مشيئتنا المبنية على الحكم البالغة، وقرأ ابن كثير «قدرنا» بالتخفيف وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ أي لا يغلبنا أحد عَلى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثالَكُمْ

أي على أن نذهبكم ونأتي مكانكم أشباهكم من الخلق فالسبق مجاز عن الغلبة استعارة تصريحية أو مجاز مرسل عن لازمه، وظاهر كلام بعض الأجلة أنه حقيقة في ذلك إذا تعدى بعلى، والجملة في موضع الحال من ضمير قَدَّرْنا وكأن المراد قَدَّرْنا ذلك ونحن قادرون على أن نميتكم دفعة واحدة ونخلق أشباهكم.

وَنُنْشِئَكُمْ فِي ما لا تَعْلَمُونَ

من الخلق والأطوار التي لا تعهدونها، وقال الحسن: من كونكم قردة وخنازير، ولعل اختيار ذلك لأن الآية تنحو إلى الوعيد، والمراد ونحن قادرون على هذا أيضا وجوز أن يكون أمثالكم جمع مثل بفتحتين بمعنى الصفة لا جمع مثل بالسكون بمعنى الشبه كما في الوجه الأول أي ونحن نقدر على أن نغير صفاتكم التي أنتم عليه خلقا وخلقا وننشئكم في صفات لا تعلمونها، وقيل: المعنى وننشئكم في البعث على غير صوركم في الدنيا، وقيل: المعنى وما يسبقنا أحد فيهرب من الموت أو يغير وقته الذي وقتناه، على أن المراد تمثيل حال من سلم من الموت أو تأخر أجله عن الوقت المعين له بحال من طلبه طالب فلم يلحقه وسبقه، وقوله تعالى:

عَلى أَنْ نُبَدِّلَ

إلخ في موضع الحال من الضمير المستتر في مسبوقين أي حال كوننا قادرين أو عازمين على تبديل أمثالكم، والجملة السابقة على حالها، وقال الطبري: عَلى أَنْ نُبَدِّلَ

متعلق- بقدّرنا- وعلة له وجملة وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ اعتراض، والمعنى نحن قدرنا بينكم الموت لأن نبدل أمثالكم أي نميت طائفة ونبدلها بطائفة هكذا قرنا بعد قرن وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولى من خلقكم من نطفة، ثم من علقه، ثم من مضغة وقال قتادة:

هي فطرة آدم عليه السلام من التراب ولا ينكرها أحد من ولده فَلَوْلا تَذَكَّرُونَ فهلا تتذكرون أن من قدر عليها فهو على النشأة الأخرى أقدر وأقدر فإنها أقل صنعا لحصول المواد وتخصيص الأجزاء وسبق المثال، وهذا- على ما قالوا- دليل على صحة القياس لكن قيل: لا يدل إلا على قياس الأولى لأنه الذي في الآية، وفي الخبر عجبا كل العجب للمكذب بالنشأة الآخرة وهو يرى النشأة الأولى، وعجبا للمصدق بالنشأة الآخرة وهو يسعى لدار الغرور.

وقرأ طلحة تذكرون بالتخفيف وضم الكاف أَفَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ ما تبذرون حبه وتعملون في أرضه أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ تنبتونه وتردونه نباتا يرف وينمى إلى أن يبلغ الغاية أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ أي المنبتون لا أنتم والكلام في- أنتم- وأَمْ كما مر آنفا،

وأخرج البزار وابن جرير وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي في شعب الايمان- وضعفه- وابن حبان- كما قال الخفاجي- عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: «لا يقولن أحدكم زرعت ولكن ليقل حرثت

، ثم قال أبو هريرة رضي الله تعالى عنه ألم تسمعوا الله تعالى يقول: أَفَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ» يشير رضي الله تعالى عنه إلى أنه عليه الصلاة والسلام أخذ النهي من

<<  <  ج: ص:  >  >>