كما جاء في رواية عن قتادة والحسن على أن الوقوع بمعنى السقوط والغروب وتخصيصها بالقسم لما في غروبها من زوال أثرها، والدلالة على وجود مؤثر دائم لا يتغير، ولذا استدل الخليل عليه السلام بالأفول على وجود الصانع جل وعلا، أو لأن ذلك وقت قيام المتهجدين والمبتهلين إليه تعالى وأوان نزول الرحمة والرضوان عليهم.
وقد أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة مرفوعا «ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له»
وعن الحسن أيضا المراد مواقعها عند الانكدار يوم القيامة قيل: وموقع عليه مصدر ميمي أو اسم زمان ولعل وقوعها ذلك اليوم ليس دفعة واحدة والتخصيص لما في ذلك من ظهور عظمته عز وجل وتحقق ما ينكره الكفار من البعث،
وعن أبي جعفر وأبي عبد الله على آبائهما وعليهما السلام المراد مواقعها عند الانقضاض إثر المسترقين السمع من الشياطين
، وقد مرّ لك تحقيق أمر هذا الانقضاض فلا تغفل، وقيل: مواقع النجوم هي الأنواء التي يزعم الجاهلية أنهم يمطرون بها، ولعله مأخوذ من بعض الآثار الواردة في سبب النزول وسنذكره إن شاء الله تعالى وليس نصا في إرادة الأنواء بل يجوز عليه أن يراد المغارب مطلقا.
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن قتادة أنها منازلها ومجاريها على أن الوقوع النزول كما يقال: على الخبير سقطت وهو شائع والتخصيص لأن له تعالى في ذلك من الدليل على عظيم قدرته وكمال حكمته ما لا يحيط به نطاق البيان، وقال جماعة منهم ابن عباس: النجوم نجوم القرآن ومواقعها أوقات نزولها.
وأخرج النسائي وابن جرير والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عنه أن قال: «أنزل القرآن في ليلة القدر من السماء العليا إلى السماء الدنيا جملة واحدة ثم فرق في السنين» وفي لفظ «ثم نزل من السماء الدنيا إلى الأرض نجوما ثم قرأ فلا أقسم بمواقع النجوم»
وأيد هذا القول بأن الضمير في قوله تعالى بعد: إِنَّهُ لَقُرْآنٌ يعود حينئذ على ما يفهم من مواقع النجوم حتى يكاد يعدّ كالمذكور صريحا ولا يحتاج إلى أن يقال يفسره السياق كما في سائر الأقوال، ووجه التخصيص أظهر من أن يخفى، ولعل الكلام عليه من باب «وثناياك إنها إغريض» .
وقرأ ابن عباس وأهل المدينة وحمزة والكسائي «بموقع» مفردا مرادا به الجمع.
وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ مشتمل على اعتراض في ضمن آخر فقوله تعالى: إِنَّهُ لَقَسَمٌ عَظِيمٌ معترض بين القسم والمقسم عليه وهو قوله سبحانه: إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ وهو تعظيم للقسم مقرر مؤكد له، وقوله عز وجل لَوْ تَعْلَمُونَ معترض بين الصفة والموصوف وهو تأكيد لذلك التعظيم وجواب لَوْ إما متروك أريد به نفي علمهم أو محذوف ثقة بظهوره أي لعظمتموه أو لعملتم بموجبه، ووجه كون ذلك القسم عظيما قد أشير إليه فيما مر، أو هو ظاهر بناء على أن المراد بِمَواقِعِ النُّجُومِ ما روي عن ابن عباس والجماعة، ومعنى كون القرآن كريما أنه حسن مرضي في جنسه من الكتب أو نفاع جم المنافع، وكيف لا وقد اشتمل على أصول العلوم المهمة في إصلاح المعاش، والمعاد، والكرم على هذا مستعار- كما قال الطيبي- من الكرم المعروف.
وقيل: الكرم أعم من كثرة البذل والإحسان والاتصاف بما يحمد من الأوصاف ككثرة النفع فإنه وصف محمود فكونه كرما حقيقة، وجوز أن يراد كريم على الله تعالى قيل: هو يرجع لما تقدم، وفيه تقدير من غير حاجة وأيا ما كان فمحط الفائدة الوصف المذكور قيل: إن مرجع الضمير هو القرآن لا من حيث عنوان كونه قرآنا فبمجرد الإخبار عنه بأنه قرآن تحصل الفائدة أي إنه لمقروء على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم لا أنه أنشأه كما زعمه