بالتحذير، وفي لا ما تقدم، والنهي مع الخطاب أظهر منه مع الغيبة.
فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ أي الأجل بطول أعمارهم وآمالهم، أو طال أمد ما بينهم وبين أنبيائهم عليهم السلام وبعد العهد بهم، وقيل: أمد انتظار القيامة والجزاء، وقيل: أمد انتظار الفتح، وفرقوا بين الأمد والزمان بأن الأمد يقال الغاية والزمان عام من المبدأ والغاية، وقرأ ابن كثير في رواية الأمدّ بتشديد الدال أي الوقت الأطول فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ صلبت فهي كالحجارة، أو أشد قسوة وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ خارجون عن حدود دينهم رافضون لما في كتابهم بالكلية، قيل: من فرط القسوة وذكر أنه مأخوذ من كون الجملة حال، وفيه خفاء والأظهر أنه من السياق، والمراد بالكتاب الجنس فالموصول يعم اليهود والنصارى وكانوا كلهم في أوائل أمرهم يحول الحق بينهم وبين كثير من شهواتهم وإذا سمعوا التوراة والإنجيل خشعوا لله تعالى ورقت قلوبهم فلما طال عليهم الزمان غلبهم الجفاء والقسوة وزالت عنهم الروعة التي كانوا يجدونها عند سماع الكتابين وأحدثوا ما أحدثوا واتبعوا الأهواء وتفرقت بهم السبل، والقسوة مبدأ الشرور وتنشأ من طول الغفلة عن الله تعالى، وعن عيسى عليه السلام: لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله تعالى فتقسو قلوبكم فإن القلب القاسي بعيد من الله عز وجل ولا تنظروا إلى ذنوب العباد كأنكم أرباب وانظروا في ذنوبكم كأنكم عباد والناس رجلان مبتلى ومعافى فارحموا أهل البلاء واحمدوا على العافية ومن أحس بقسوة في قلبه فليهرع إلى ذكر الله تعالى وتلاوة كتابه يرجع إليه حاله كما أشار إليه قوله عز وجل: اعلموا أنّ الله يحيي الأرض بعد موتها فهو تمثيل ذكر استطرادا لإحياء القلوب القاسية بالذكر والتلاوة بإحياء الأرض الميتة بالغيث للترغيب في الخشوع والتحذير عن القساوة قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ التي من جملتها هذه الآيات لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ كي تعقلوا ما فيها وتعملوا بموجبها فتفوزوا بسعادة الدارين.
إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقاتِ أي المتصدقين والمتصدقات، وقد قرأ أبيّ كذلك، وقرأ ابن كثير وأبو بكر والمفضل وأبان وأبو عمرو في رواية هارون بتخفيف الصاد من التصديق لا من الصدقة كما في قراءة الجمهور أي الذين صدقوا واللاتي صدقن الله عز وجل ورسوله صلّى الله تعالى عليه وسلم، والقراءة الأولى أنسب بقوله تعالى:
وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وقيل: الثانية أرجح لأن الإقراض يغني عن ذكر التصديق، وأنت ستعلم إن شاء الله تعالى فائدته، وعطف أَقْرَضُوا على معنى الفعل من المصدقين على ما اختاره أبو علي والزمخشري لأن أل بمعنى الذين، واسم الفاعل بمعنى الفعل فكأنه قيل: إن الذين اصدقوا أو صدقوا على القراءتين وَأَقْرَضُوا وتعقبه أبو حيان وغيره بأن فيه الفصل بين أجزاء الصلة إذ المعطوف على الصلة بأجنبي وهو المصدقات، وذلك لا يجوز، وقال صاحب التقريب: هو محمول على المعنى كأنه قيل: إن الناس الذين تصدقوا وتصدقن أأقرضوا فهو عطف على الصلة من حيث المعنى بلا فصل، وتعقب بأنه لا محصل له إلا إذا قيل: إن أل الثانية زائدة لئلا يعطف على صورة جزء الكلمة، وفيه بعد، ولا يخفى أن حديث اعتبار المعنى يدفع ما ذكر، ومن هنا قيل: إنه قريب ولا يبعد تأنيثا وتذكيرا لا يضر لأن أل تصلح للجميع فيراد بها معنى اللاتي عند عود ضمير جمع الإناث عليها ومعنى الذي عند عود ضمير جمع الذكور عليها وهو كما ترى، ومثله ما قيل: هو من باب كل رجل وضيعته أي إن المصدقين مقرونون مع المصدقات في الثواب والمنزلة، أو يقدر خبر أي- إن المصدقين والمصدقات يفلحون- وَأَقْرَضُوا في الوجهين ليس عطفا على الصلة بل مستأنف ويضاف بعد صفة قرضا أو استئناف ومن أنصف لم ير ذلك مما ينبغي أن يخرج عليه كلام أدنى الفصحاء فضلا عن كلام رب العالمين، واختار أبو حيان تخريج ذلك على حذف الموصول لدلالة ما قبله عليه كأنه قيل: والذين أقرضوا فيكون مثل قوله