٥٤] فخر مؤمنو أهل الكتاب على أصحاب النبي صلّى الله تعالى عليه وسلم فقالوا: لنا أجران ولكم أجر فاشتد ذلك على أصحابه عليه الصلاة والسلام فأنزل الله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إلخ فجعل لهم سبحانه أجرين مثل ما لمؤمني أهل الكتاب، وقال الثعلبي: فأنزل الله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ الآية فجعل لهم أجرين وزادهم النور ثم قال سبحانه: لِئَلَّا يَعْلَمَ إلخ، وحاصله على هذا ليعلموا أنهم ليسوا ملاك فضله عز وجل فيزوره عن المؤمنين ويستبدوا به دونهم، وقوله تعالى: وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ عطف على أن لا يقدرون داخل معه في حيز العلم، وقوله سبحانه: يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ خبر ثان لأن أو هو الخبر وما قبله على ما قيل: حال لازمة أو استئناف، وقوله عز وجل: وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ اعتراض تذييلي مقرر لمضمون ما قبله.
وذهب بعض إلى أن الخطاب لمن آمن من أهل الكتاب اليهود والنصارى أو لمن لم يؤمن منهم بعد: فالمعنى يا أيها الذين آمنوا بموسى وعيسى عليهما السلام آمنوا بمحمد صلّى الله تعالى عليه وسلم أي اثبتوا على الإيمان به أو أحدثوا الايمان به عليه الصلاة والسلام يؤتكم نصيبين من رحمته نصيبا على إيمانكم بمن آمنتم به أولا ونصيبا على إيمانكم بمحمد صلّى الله تعالى عليه وسلم آخرا ليعلم الذين لم يؤمنوا من أهل الكتاب أنهم لا ينالون شيئا مما يناله المؤمنون منهم ولا يتمكنون من نيله حيث لم يأتوا بشرطه الذي هو الإيمان برسوله صلّى الله عليه وسلم. وأيد ذلك بما
في صحيح البخاري «من كانت له أمة علمها فأحسن تعليمها وأدبها فأحسن تأديبها وأعتقها وتزوجها فله أجران، وأيما رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بي فله أجران، وأيما مملوك أدى حق الله تعالى وحق مواليه فله أجران»
ولا إشكال في ذلك بالنسبة إلى النصارى، ولذا قيل: الخطاب لهم لأن ملتهم غير منسوخة قبل ظهور الملة المحمدية ومعرفتهم بها فيثابون على العمل بها حتى يجب عليه الإيمان بالنبي صلّى الله تعالى عليه وسلم فإذا آمنوا أثيبوا أيضا فكان لهم ثوابان، نعم قد يستشكل بالنسبة إلى غيرهم لأن مللهم منسوخة بملة عيسى عليه السلام والمنسوخ لا ثواب في العمل به، ويجاب بأنه لا يبعد أن يثابوا على العمل بملتهم السابقة وإن كانت منسوخة ببركة الإسلام.
وأجاب بعضهم أن الإثابة على نفس إيمان ذلك الكتابي بنبيه وإن كان منسوخ الشريعة فإن الإيمان بكل نبي فرض سواء كان منسوخ الشريعة أم لا، وقيل: إن (لا) في لِئَلَّا يَعْلَمَ غير مزيدة وضمير لا يقدرون للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم والمؤمنين أي فعلنا ما فعلنا لئلا يعتقد أهل الكتاب أن الشأن لا يقدر النبي صلّى الله عليه وسلم والمؤمنون به على شيء من فضل الله تعالى الذي هو عبارة عما أوتوه من سعادة الدارين ولا ينالونه، أو أنهم أي النبي عليه الصلاة والسلام والمؤمنون لا يقدرون إلخ، على أن عدم علمهم بعدم قدرتهم على ذلك كناية عن علمهم بقدرتهم عليه فيكون قوله سبحانه: وَأَنَّ الْفَضْلَ إلخ معطوفا على- أن لا يعلم- داخلا معه في حيز التعليل دون أن لا يقدر فكأنه قيل: فعلنا ما فعلنا لئلا يعتقدوا كذا ولأن الفضل بيد الله فيكون من عطف الغاية على الغاية بناء على المشهور ولتكلف هذا القيل مع مخالفته لبعض القراءات لم يذهب إليه معظم المفسرين، وقرأ خطاب بن عبد الله- لأن لا يعلم- بالإظهار، وعبد الله بن مسعود وابن عباس وعكرمة والجحدري وعبد الله بن سلمة على اختلاف ليعلم، وقرأ الجحدري أيضا- ولييعلم- على أن أصله لئن يعلم فقلبت الهمزة ياء لكسرة ما قبلها وأدغمت النون في الياء بغير غنة، وروى ابن مجاهد عن الحسن- ليلا- مثل ليلى اسم المرأة «يعلم» بالرفع، ووجه بأن أصله- لأن لا- بفتح لام الجر وهي لغة عليه قوله:
أريد لأنسى ذكرها فكأنما ... تمثل لي ليلى بكل سبيل
فحذفت الهمزة اعتباطا وأدغمت النون في اللام فصار- للا- فاجتمعت الأمثال وثقل النطق بها فأبدلوا من اللام