يقتضي أن يكون مجرد الظهار من غير عود موجبا للكفارة، وهو خلاف ما عليه علماء الأمصار وأجيب عن هذا الأخير بأنهما إن نقل عنهما ذلك اجتهادا فلا يلزمهما موافقة غيرهما وهو المصرح به في كتاب الأحكام وغيره، وإن لم ينقل عنهما غير تفسير العود في الآية بما أشير إليه، فيجوز أن يشترطا لوجوب الكفارة شيئا مما مر لكن لا يقولان: إنه المراد بالعود فيها، وقال أهل الظاهر: المعنى الذين يقولون هذا القول المنكر ثم يعودون له فيكررونه بأن يقول أحدهم:
أنت علي كظهر أمي ثم يعود له ويقوله ثانيا فكفارته تحرير رقبة إلخ فحملوا العود والقول على حقيقتهما أيضا.
وروي ذلك عن أبي العالية وبكير بن عبد الله بن الأشج والفراء أيضا، وحكاه أبو حيان رواية عن الإمام أبي حنيفة، ولا نعلم أحدا من أصحابه رواه عنه، وتعقب بأنه لو أريد ذلك لقيل: يعودون له فانه أخصر ولا يبقى لكلمة ثُمَّ حسن موقع، هذا ولا فقه فيه من حيث المعنى، والمنزل فيه- أعني قصة خولة- يدفعه إذ لم ينقل التكرار، ولا سأل عنه صلّى الله تعالى عليه وسلم، وهذا الدفع قوي، وأما ما قيل: فقد أجيب عنه بأنه يحتمل أن يكون الفقه فيه أنه ليس صريحا في التحريم فلعله يسبق لفظه به من غير قصد لمعناه. فإذا كرره تعين أنه قصده وأن العدول عن له إلى لِما قالُوا لقصد التأكيد بالإظهار، وأن العطف- بثم- لتراخي رتبة الثاني وبعده عن الأول لأنه الذي تحقق به الظهار، وقول الزيلعي في الاعتراض عليه: إن اللفظ لا يحتمله- لأنه لو أريد ذلك لقيل: يعيدون القول الأول بضم الياء وكسر العين من الإعادة لا من العود- جهل من قلة العود لكلام الفصحاء والرجوع إلى محاوراتهم، وقال أبو مسلم الأصفهاني: معنى العود أن يحلف أولا على ما قال من الظهار بأن يقول: والله أنت علي كظهر أمي وهو عود لما قال وتكرار له معنى لأن القسم لكونه مؤكدا للمقسم عليه يفيد ذلك فلا تلزم الكفارة في الظهار من غير قسم عنده، وهذا القول إلغاء للظهار معنى لأن الكفارة لحلفه على أمر كذب فيه، وأيضا المنزل فيه يدفعه إذ لم ينقل الحلف ولا سأل عنه رسول الله صلّى الله عليه وسلم والأصل عدمه، وقيل: عوده تكراره الظهار معنى بأن يقول: أنت علي كظهر أمي إن فعلت كذا ثم يفعله فإنه يحنث وتلزمه الكفارة، وتعد مباشرته ذلك تكريرا للظهار وليس بشيء كما لا يخفى، وأما تعليق الظهار فقد ذكر الشافعية أنه يصح لأنه لاقتضاء التحريم كالطلاق والكفارة كاليمين وكلاهما يصح تعليقه، فإذا قال: إن دخلت الدار فأنت علي كظهر أمي فدخلت ولو في حال جنونه أو نسيانه صح لكن لا عود عندهم في الصورة المفروضة حتى يمسكها عقب الإفاقة أو تذكره وعلمه بوجود الصفة قدر إمكان طلاقها ولم يطلقها، وقد أطالوا في تفاريع التعليق الكلام بما لا يسعه هذا المقام.
وعندنا أيضا يصح تعليقه وكذا تقييده بيوم أو شهر، ولا يبقى بعد مضي المدة، نعم لو ظاهر واستثني يوم الجمعة مثلا لم يجز ولو علق الظهار بشرط ثم أبانها ثم وجد الشرط في العدة لا يصير مظاهرا بخلاف الإبانة المعلقة كما بين في محله، وقال الأخفش: في الآية تقديم وتأخير وتقديرها- والذين يظاهرون من نسائهم فتحرير رقبة لما قالوا: ثم يعودون إلى نسائهم- ولا يذهب إليه إلا أخفش أو أعشى أو أعمش، وفي قوله تعالى: مِنْ نِسائِهِمْ دليل لنا وكذا للشافعي وأحمد وجمع كثير من الصحابة والتابعين رضي الله تعالى عليهم أجمعين على أنه لو ظاهر من أمته الموطوءة أو غيرها لا يصح، وبيان ذلك أنه يتناول نساءنا والأمة، وإن صح إطلاق لفظ نسائنا عليها لغة لكن صحة الإطلاق لا تستلزم الحقيقة لأن حقيقة إضافة النساء إلى رجل أو رجال إنما تتحقق مع الزوجات (١) دون الإماء لأنه
(١) قوله: إنما تتحقق مع الزوجات إلخ، واستدل الإمام على عدم دخول الإماء في النساء المضاف بقوله تعالى: «أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن» للعطف اه منه.