للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا يخفى أنه مجاز فلا مصير إليه بموجبه، فإن قلت: المعنى الذي باعتباره يصير اللفظ مجازا ويندرج فيه التعدد الحكمي ما هو؟ قلت: هو الحاجة فيكون ستين مسكينا مجازا عن ستين حاجة، وهو أعم من كونها حاجات ستين أو حاجات واحد إذا تحقق تكررها إلا أن الظاهر إنما هو عدد معدوده ذوات المساكين مع عقلية أن العدد مما يقصد لما في تعميم الجميع من بركة الجماعة وشمول المنفعة واجتماع القلوب على المحبة والدعاء- قاله في فتح القدير- وهو كلام متين يظهر منه ترجيح مذهب الجمهور، وذهب الأصحاب إلى أنه لا يشترط اتحاد نوع المدفوع لكل من المساكين فلو دفع لواحد بعضا من الحنطة وبعضا من الشعير مثلا جاز إذا كان المجموع قدر الواجب كأن دفع ربع صاع من بر ونصف صاع من شعير، وجاز نحو هذا التكميل لاتحاد المقصود- وهو الإطعام- ولا يجوز دفع قيمة القدر الواجب من منصوص عليه، وهو البر والشعير ودقيق كلّ وسويقه والزبيب والتمر إذا كانت من منصوص عليه آخر إلا أن يبلغ المدفوع الكمية المقدرة شرعا فلو دفع نصف صاع تمر يبلغ قيمة نصف صاع بر لا يجوز، فالواجب عليه أن يتم للذين أعطاهم القدر المقدر من ذلك الجنس الذي دفعه إليهم فإن لم يجدهم بأعيانهم استأنف في غيرهم، ومن غير المنصوص كالأرز والعدس يجوز كما إذا دفع ربع صاع من أرز يساوي قيمة نصف صاع من بر مثلا، وذلك لأنه لا اعتبار لمعنى النص في المنصوص عليه وإنما الاعتبار في غير المنصوص عليه، ونقل في ذلك خلاف الشافعي رحمه الله تعالى فلا يجوز دفع القيمة عنده مطلقا، ولا يجوز في الكفارة إعطاء المسكين أقل من نصف صاع من البر مثلا فقط، ففي التاتارخانية لو أعطى ستين مسكينا كل مسكين مدّا من الحنطة لم يجز، وعليه أن يعيد مدّا آخر على كل فإن لم يجد الأولين فأعطى ستين آخرين كلا مدّا لم يجز، ولو أعطى كلا من المساكين مدّا ثم استغنوا ثم افتقروا فأعاد على كل مدّا لم يجز، وكذا لو أعطى المكاتبين مدّا مدّا ثم ردوا إلى الرق ومواليهم أغنياء ثم كوتبوا ثانيا ثم أعاد عليهم لم يجز لأنهم صاروا بحال لا يجوز دفع الكفارة إليهم فصاروا كجنس آخر، وعليه فالمراد- بستين مسكينا- ستون مسكينا لم يعرض لهم في أثناء الإطعام ما ينافي ذلك، والظاهر أن فاعل إطعام هو المظاهر الغير المستطيع للصيام، ولا فرق بين أن يباشر ذلك أو يأمر به غيره، فإن أمر غيره فأطعم أجزاه لأنه استقراض معنى، فالفقير قابض له أولا ثم يتحقق تملكه ثم تمليكه، والمراد بالمسكين ما يعم الفقير، وقد قالوا: المسكين والفقير إذا اجتمعا افترقا وإذا افترقا اجتمعا، ويشترط أن لا يكون المطعم أصله أو فرعه أو زوجته أو مملوكه أو هاشميا لمزيد شرفه فيجل عن هذه الغسالة، ولا حربيا ولو مستأمنا لمزيد خسته فليس أهلا لأدنى منفعة، ويجوز أن يكون ذميا ولو دفع بتحرّ فبان أنه ليس بمصرف أجزاه عندهما خلافا لأبي يوسف كما في البدائع.

واستنبط الشافعية من التعبير بعدم الوجود عند الانتقال إلى الصوم، وبعدم الاستطاعة عند الانتقال إلى الإطعام أنه لو كان له مال غائب ينتظره ولا يصوم ولو كان مريضا يرجى برؤه يطعم ولا ينتظر الصحة ليصوم، وهو موافق لمذهبنا في الصوم لا في الإطعام كما سمعت، ثم هذا الحكم في الأحرار أما العبد فلا يجوز له إلا الصوم لأنه لا يملك وإن ملك والإعتاق والإطعام شرطهما الملك فإن أعتق عنه المولى أو أطعم لم يجز ولو بأمره، ويجب تقديم الإطعام على المسيس فإن قرب المظاهر المظاهرة في خلاله إثم ولم يستأنف لأنه عز وجل ما شرط أن يكون قبل المسيس كما شرط فيما قبل، ونحن لا نحمل المطلق على المقيد وإن كانا في حادثة واحدة بعد أن يكونا حكمين، والوجوب قيل: لم يثبت إلا لتوهم وقوع الكفارة بعد التماس بيانه أنه لو قدر على العتق أو الصيام في خلال الإطعام أو قبله يلزمه التكفير بالمقدور عليه فلو جوز للعاجز عنهما القربان قبل الإطعام، ثم اتفق قدرته فلزم التكفير به لزم أن يقع العتق بعد التماس، والمفضي إلى الممتنع ممتنع.

<<  <  ج: ص:  >  >>