اذكر ذلك اليوم تعظيما له وتهويلا، وقيل منصوب بيكون مضمرا على أنه جواب لمن سأل متى يكون عذاب هؤلاء؟
فقيل له: يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ أي يكون يوم إلخ، وقيل: بالكافرين وليس بشيء، وقوله تعالى: جَمِيعاً حال جيء به للتأكيد، والمعنى يبعثهم الله تعالى كلهم بحيث لا يبقى منهم أحد غير مبعوث، ويجوز أن يكون حالا غير مؤكدة أي يبعثهم مجتمعين في صعيد واحد فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا من القبائح ببيان صدورها عنهم أو بتصويرها في تلك النشأة بما يليق بها من الصور الهائلة على رؤوس الاشهاد تخجيلا لهم وتشهيرا بحالهم وزيادة في خزيهم ونكالهم، وقوله تعالى: أَحْصاهُ اللَّهُ استئناف وقع جوابا عما نشأ مما قبله من السؤال إما عن كيفية التنبئة أو عن سببها كأنه قيل:
كيف ينبئهم بأعمالهم وهي أعراض متقضية متلاشية؟ فقيل: أحصاه الله تعالى عددا ولم يفته سبحانه منه شيء، وقوله تعالى: وَنَسُوهُ حينئذ حال من مفعول- أحصى- بإضمار قد أو بدونه، أو قيل: لم ينبئهم بذلك؟ فقيل: أحصاه الله تعالى ونسوه فينبئهم به ليعرفوا أن ما عاينوه من العذاب إنما حاق بهم لأجله، وفيه مزيد توبيخ وتنديم لهم غير التخجيل والتشهير وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ لا يغيب عنه أمر من الأمور أصلا، والجملة اعتراض تذييلي مقرر لإحصائه تعالى أعمالهم، وقوله تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ استشهاد على شمول شهادته تعالى أي ألم تعلم أنه عز وجل يعلم ما فيهما من الموجودات سواء كان ذلك بالاستقرار فيهما أو بالجزئية منهما.
وقوله تعالى: ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إلخ استئناف مقرر لما قبله من سعة علمه تعالى، ويَكُونُ من كان التامة، ومِنْ مزيدة، ونَجْوى فاعل وهي مصدر بمعنى التناجي وهو المسارّة مأخوذة من النجوة وهي ما ارتفع من الأرض لأن المتسارين يخلوان وحدهما بنجوة من الأرض، أو لأن السر يصان فكأنه رفع من حضيض الظهور إلى أوج الخفاء، وقيل: أصل ناجيته من النجاة وهو أن تعاونه على ما فيه خلاصة أو أن تنجو بسرك من أن يطلع عليه وهي مضافة إلى ثَلاثَةٍ أي ما يقع من تناجي ثلاثة نفر وقد يقدر مضاف أي من ذوي نجوى، أو يؤول نجوى بمتناجين- فثلاثة- صفة للمضاف المقدر، أو لنجوى المؤوّل بما ذكر.
وجوز أن يكون بدلا أيضا والتأويل والتقدير المذكوران ليتأتى الاستثناء الآتي من غير تكلف، وفي القاموس النجوى السر والمسارون اسم مصدر، وظاهره أن استعماله في كل حقيقة فإذا أريد المسارون لم يحتج إلى تقدير أو تأويل لكن قال الراغب: إن النجوى أصله المصدر كما في الآيات بعد، وقد يوصف به فيقال: هو نجوى، وهم نجوى، قال تعالى: وَإِذْ هُمْ نَجْوى [الإسراء: ٤٧] وعليه يحتمل أن يكون من باب زيد عدل.
وقرأ أبو جعفر وأبو حيوة وشيبة- ما تكون- بالتاء الفوقية لتأنيث الفاعل، والقراءة بالياء التحتية قال الزمخشري:
على أن النجوى تأنيثها غير حقيقي، ومِنْ فاصلة أو على أن المعنى ما يكون شيء من النجوى، واختار في الكشف الثاني، فقال: هو الوجه لأن المؤنث وحده لم يجعل فاعلا لفظا لوجود مِنْ ولا معنى لأن المعنى شيء منها، فالتذكير هو الوجه لفظا ومعنى، وهو قراءة العامة انتهى، وإلى نحوه يشير كلام صاحب اللوامح، وصرح بأن الأكثر في هذا الباب التذكير، وتعقبه أبو حيان بالمنع وأن الأكثر التأنيث وأنه القياس قال تعالى: وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ [الأنعام: ٤] ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها [الحجر: ٥، المؤمنون: ٤٣] فتأمل، وقوله سبحانه: إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ استثناء مفرغ من أعم الأحوال، والرابع لإضافته إلى غير مماثله هنا بمعنى الجاعل المصير لهم أربعة أي ما يكونون في حال من الأحوال إلا في حال تصيير الله تعالى لهم أربعة حيث إنه عز وجل يطلع أيضا على نجواهم، وكذا قوله تعالى: وَلا خَمْسَةٍ أي ولا نجوى خمسة إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ وَلا أَدْنى أي ولا نجوى أدنى مِنْ ذلِكَ أي مما ذكر كالاثنين والأربعة وَلا أَكْثَرَ كالستة وما فوقها.