صاحبه غير الغارس له، وقد سمعت بعض الغارسين يقول: السعفة عندي كأصبع من أصابع يدي، وتحقق الحسرة على الذهاب إن كانت المقطوعة النخلة الكريمة أظهر، وكذا تحققها على البقاء في أيدي أعدائهم المسلمين إن كانت هي المتروكة، والذي تدل عليه بعض الآثار أن بعض الصحابة كان يقطع الكريمة وبعضهم يقطع غيرها وأقرهما النبي صلّى الله عليه وسلم لما أفصح الأول بأن غرضه إغاظة الكفار، والثاني بأنه استبقاء الكريمة للمسلمين، وكان ذلك أول نزول المسلمين على أولئك الكفرة ومحاصرتهم لهم، فقد روي أنه عليه الصلاة والسلام أمر في صدر الحرب بقطع نخيلهم فقالوا: يا محمد قد كنت تنهى عن الفساد في الأرض فما بال قطع النخل وتحريقها؟ فنزلت الآية ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ إلخ، ولم يتعرض فيها للتحريق لأنه في معنى القطع فاكتفى به عنه، وأما التعرض للترك مع أنه ليس بفساد عندهم أيضا فلتقرير عدم كون القطع فسادا لنظمه في سلك ما ليس بفساد إيذانا بتساويهما في ذلك.
واستدل بالآية على جواز هدم ديار الكفرة وقطع أشجارهم وإحراق زروعهم زيادة لغيظهم، وحاصل ما ذكره الفقهاء في المسألة أنه إن علم بقاء ذلك في أيدي الكفرة فالتخريب والتحريق أولى، وإلا فالإبقاء أولى ما لم يتضمن ذلك مصلحة، وقوله تعالى: وَما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ شروع في بيان حال ما أخذ من أموالهم بعد بيان ما حل بأنفسهم من العذاب العاجل والآجل وما فعل بديارهم ونخيلهم من التخريب والقطع أي ما أعاده الله تعالى إلى رسوله صلّى الله عليه وسلم من أولئك الكفرة- وهم بنو النضير- وما موصولة مبتدأ، والجملة بعدها صلة، والعائد محذوف كما أشرنا إليه، والجملة المتقرنة بالفاء بعد خبر، ويجوز كونها شرطية، والجملة بعد جواب، والمراد بما أفاء سبحانه عليه صلى الله تعالى عليه وسلم منهم أموالهم التي بقيت بعد جلائهم، والمراد بإعادتها عليه الصلاة والسلام تحويلها إليه، وهو إن لم يقتض سبق حصولها له صلّى الله عليه وسلم نظير ما قيل في قوله تعالى: أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا [الأعراف: ٨٨، إبراهيم: ١٣] ظاهر وإن اقتضى سبق الحصول كان فيما ذكر مجازا، وفيه إشعار بأنها كانت حرية بأن تكون له صلّى الله عليه وسلم وإنما وقعت في أيديهم بغير حق فأرجعها الله تعالى إلى مستحقها، وكذا شأن جميع أموال الكفرة التي تكون فيئا للمؤمنين لأن الله عز وجل خلق الناس لعبادته وخلق ما خلق من الأموال ليتوسلوا به إلى طاعته فهو جدير بأن يكون للمطيعين، ولذا قيل للغنيمة التي لا تلحق فيها مشقة: فيء مع أنه من فاء الظل إذا رجع، ونقل الراغب عن بعضهم أنه سمي بذلك تشبيها بالفيء الذي هو الظل تنبيها على أن أشرف أعراض الدنيا يجري مجرى ظل زائل، وأَفاءَ على ما في البحر بمعنى المضارع أما إذا كانت ما شرطية فظاهر، وأما إذا كانت موصوله فلأنها إذا كانت الفاء في خبرها تكون مشبهة باسم الشرط فان كانت الآية نازلة قبل جلائهم كانت مخبرة بغيب، وإن كانت نزلت بعد جلائهم وحصول أموالهم في يد الرسول صلّى الله عليه وسلم كانت بيانا لما يستقبل، وحكم الماضي حكمه، والذي يدل عليه الإخبار أنها نزلت بعد، روي أن بني النضير لما أجلوا عن أوطانهم وتركوا رباعهم وأموالهم طلب المسلمون تخميسها كغنائم بدر فنزل ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ إلخ فكانت لرسول الله صلّى الله عليه وسلم خاصة، فقد أخرج البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال: كانت أموال بني النضير مما أفاء الله تعالى على رسوله صلّى الله تعالى عليه وسلم مما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب وكانت لرسول الله صلّى الله عليه وسلم خاصة فكان ينفق على أهله منها نفقة سنة ثم يجعل ما بقي في السلاح والكراع عدة في سبيل الله تعالى.
وقال الضحاك: كانت له صلّى الله عليه وسلم خاصة فآثر بها المهاجرين وقسمها عليهم ولم يعط الأنصار منها شيئا إلا أبا دجانة سماك بن خرشة وسهل بن حنيف والحارث بن الصمة أعطاهم لفقرهم، وذكر نحوه ابن هشام إلا أنه ذكر