إبقاء سواد العراق بأيادي أهله، وضرب الخراج والجزية عليهم ردا على من طلب قسمته على الغزاة بعلوجه لكن ليس ذلك إلا لأن وصول نفع ما أفاء الله تعالى إلى عامة المسلمين كان بما ذكر دون القسمة فافهم.
وفي إعادة اللام في الرسول وذي القربى مع العاطف ما لا يخفى من الاعتناء، وفيه على ما قيل: تأييد ما لمن يذهب إلى عدم سقوط سهميهما، ووجه إفراد ذي القربى- قد ذكرناه غير بعيد- ولما كان أبناء السبيل بمنزلة الأقارب قبل: وَابْنِ السَّبِيلِ بالإفراد كما قيل: وَلِذِي الْقُرْبى وعلى ذلك قوله:
أيا جارتا إنا غريبان هاهنا ... وكل غريب للغريب نسيب
كَيْ لا يَكُونَ تعليل للتقسيم، وضمير يَكُونَ لما أفاء الله تعالى أي كي لا يكون الفيء دُولَةً هي بالضم، وكذا بالفتح ما يدول أي ما يدور للإنسان من الغناء والجد والغلبة، وقال الكسائي وحذاق البصرة:- الدولة- بالفتح في الملك بالضم، والدولة- بالضم في الملك بالكسر، أو بالضم في المال وبالفتح في النصرة قيل: وفي الجاه وقيل: هي بالضم ما يتداول كالغرفة اسم ما يغترف وبالفتح مصدر بمعنى التداول، والراغب وعيسى بن عمر وكثير أنهما بمعنى واحد، وجمهور القراء قرؤوا بضم الدال والنصب، وبالياء التحتية في يكون على أن اسم يَكُونَ الضمير، ودُولَةً الخبر أي كي لا يكون الفيء جدّا بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ أي بينهم خاصة يتكاثرون به، أو كي لا يَكُونَ دُولَةً وغلبة جاهلية بينكم فإن الرؤساء منهم كانوا يستأثرون بالغنيمة ويقولون من عزيز، وقيل:
المعنى كي لا يكون شيئا يتداوله الأغنياء بينهم ويتعاورونه فلا يصيب أحدا من الفقراء.
وقرأ عبد الله «تكون» بالتاء الفوقية على أن الضمير على ما باعتبار المعنى إذ المراد بها الأموال، وقرأ أبو جعفر وهشام كذلك ورفع «دولة» بضم الدال على أن كان تامة، و «دولة» فاعل أي كي لا يقع دولة، وقرأ علي والسلمي كذلك أيضا، ونصب «دولة» بفتح الدال على أن كان ناقصا اسمها ما سمعت، «دولة» خبرها، ويقدر مضاف على القول بأنها مصدر إن لم يتجوز فيه، ولم يقصد المبالغة أي كي لا تكون ذات تداول بين الأغنياء لا يخرجونها إلى الفقراء، وظاهر التعليل بما ذكر اعتبار الفقر فيمن ذكر وعدم اتصافه تعالى به ضروري مع أن ذكره سبحانه كان للتيمن عند الأكثرين لا لأن له عز وجل سهما، وكذا يجل رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلم عن أن يسمى فقيرا، وما اشتهر من
قوله عليه الصلاة والسلام:«الفقر فخري»
لا أصل له، وكيف يتوهم مثله والدنيا كلها لا تساوي عند الله تعالى جناح بعوضة، وهو صلّى الله تعالى عليه وسلم أحب خلقه إليه سبحانه حتى قال بعض العارفين: لا يقال له صلى الله تعالى عليه وسلم زاهد لأنه التارك للدنيا وهو عليه الصلاة والسلام لا يتوجه إليها فضلا عن طلبها اللازم للترك، وقيل: إن الخبر لو صح يكون المراد بالفقر فيه الانقطاع عن السوي بالمرة إلى الله عز وجل وهو غير الفقر الذي الكلام فيه واعتباره فيمن بعد لا محذور فيه حتى أنه ربما يكون دليلا على القول بأنه لا يعطى أغنياء ذوي القربى، وإنما يعطى فقراؤهم، وإذا حمل الكلام على ما حملناه عليه كفى في التعليل أن يكون فيمن يدفع إليه شيء من الفيء فقر، ولا يلزم أن كل من يدفع إليه شيء منه فقيرا وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ أي ما أعطاكم من الفيء فَخُذُوهُ لأنه حقكم الذي أحله الله تعالى لكم وَما نَهاكُمْ عَنْهُ أي عن أخذه منه فَانْتَهُوا عنه وَاتَّقُوا اللَّهَ في مخالفته عليه الصلاة والسلام إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ فيعاقب من يخالفه صلّى الله تعالى عليه وسلم، وحمل الآية على خصوص الفيء مروي عن الحسن وكان لذلك لقرينة المقام، وفي الكشاف الأجود أن تكون عامة في كل ما أمر به صلى الله تعالى عليه وسلم ونهى عنه، وأمر الفيء داخل في العموم، وذلك لعموم لفظ ما على أن الواو لا تصح عاطفة فهي اعتراض على سبيل التذييل، ولذلك عقب بقوله تعالى: وَاتَّقُوا اللَّهَ تعميما على تعميم فيتناول كل ما