إليكم بما قذف الله تعالى في قلوبهم من الرعب تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً أي مجتمعين ذوي إلفة واتحاد وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى جمع شتيت أي متفرقة لا إلفة بينها يعني أن بينهم إحنا وعدوات فلا يتعاضدون حق التعاضد ولا يرمون عن قوس واحدة، وهذا تجسير للمؤمنين وتشجيع لقلوبهم على قتالهم.
وقرأ مبشر بن عبيد «شتى» بالتنوين جعل الألف ألف الإلحاق، وعبد الله- وقلوبهم أشت- أي أكثر أو أشد تفرقا ذلِكَ بِأَنَّهُمْ أي ما ذكر من تشتت قلوبهم بسبب أنهم قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ شيئا حتى يعلموا طرق الألفة وأسباب الاتفاق، وقيل: لا يَعْقِلُونَ أن تشتت القلوب مما يوهن قواهم المركوزة فيهم بحسب الخلقة ويعين على تدميرهم واضمحلالهم وليس بذاك، وقوله تعالى: كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ خبر مبتدأ محذوف تقديره مثلهم أي مثل المذكورين من اليهود بني النضير، أو منهم ومن المنافقين كمثل أهل بدر- كما قال مجاهد- أو كبني قينقاع- كما قال ابن عباس- وهم شعب من اليهود الذين كانوا حوالى المدينة غزاهم النبي صلّى الله تعالى عليه وسلم يوم السبت على رأس عشرين شهرا من الهجرة في شوال قبل غزوة بني النضير حيث كانت في ربيع سنة أربع وأجلاهم عليه الصلاة والسلام إلى أذرعات على ما فصل في كتب السير.
وقيل: أي مثل هؤلاء المنافقين كمثل منافقي الأمم الماضية قَرِيباً ظرف لقوله تعالى: ذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ أي ذاقوا سوء عاقبة كفرهم في زمن قريب من عصيانهم أي لم تتأخر عقوبتهم وعوقبوا في الدنيا إثر عصيانهم.
وقيل: انتصاب قَرِيباً- بمثل- إذ التقدير كوقوع مثل الذين، وتعقب بأن الظاهر أنه أريد أن في الكلام مضافا هو العامل حقيقة في الظرف إلا أنه لما حذف عمل المضاف إليه فيه لقيامه مقامه، ولا يخفى أن المعنى ليس عليه لأن المراد تشبيه المثل بالمثل أي الصفة الغريبة لهؤلاء بالصفة الغريبة للذين من قبلهم دون تشبيه المثل بوقوع المثل، وأجيب بأن الإضافة من إضافة الصفة إلى موصوفها فيرجع التشبيه إلى تشبيه المثل بالمثل فكأنه قيل: مثلهم كمثل الذين من قبلهم الواقع قريبا، وفيه أن ذلك التقدير ركيك وما ذكر لا يدفع الركاكة، والقول بتقدير مضاف في جانب المبتدأ أيضا أي وقوع مثلهم كوقوع مثل الذين من قبلهم قريبا فيكون قد شبه وقوع المثل بوقوع المثل تعسف لا ينبغي أن يرتكب في الفصيح.
وقيل: إن العامل فيه التشبيه أي يشبهونهم في زمن قريب، وقيل: متعلق الكاف لأنه يدل على الوقوع، وكلا القولين كما ترى، ولا يبعد تعلقه بما تعلقت به الصلة أعني من قبلهم أي الذين كانوا من قبلهم في زمن قريب فيفيد أن قبليتهم قبلية قريبة، ويلزم من ذلك قرب ما فعل بهم وهو المثل، ويكون هذا مطمح النظر في الإفادة ويتضمن تعييرهم بأنهم كانت لهم في أهل بدر أو بني قينقاع أسوة فبعد لم ينطمس آثار ما وقع بهم وهو كذلك على تقدير الوقوع ونحوه، وجملة ذاقُوا مفسرة للمثل لا محل لها من الإعراب، ويتعين تعلق قَرِيباً بما بعد على تقدير أن يراد بمن قبل منافقو الأمم الماضية فتدبر وَلَهُمْ في الآخرة عَذابٌ أَلِيمٌ لا يقادر قدره، والجملة قيل: عطف على الجملة السابقة وإن اختلفا فعلية واسمية، وقيل: حال مقدرة من ضمير ذاقُوا وأيا ما كان فهو داخل في حيز المثل، وقيل: عطف على جملة- مثلهم كمثل الذين من قبلهم- ولا يخفى بعده، وقوله تعالى: كَمَثَلِ الشَّيْطانِ جعله غير واحد خبر مبتدأ محذوف أيضا أي مثلهم كمثل الشيطان على أن ضمير- مثلهم- هاهنا للمنافقين وفيما تقدم لبني النضير، وقال بعضهم: ضمير- مثلهم- المقدر في الموضعين للفريقين، وجعله بعض المحققين خبرا ثانيا للمبتدأ المحذوف في قوله تعالى: كَمَثَلِ الَّذِينَ على أن الضمير هناك للفريقين إلا أن المثل الأول يخص بني