تعالى: قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ [الأنعام: ١٤٣، ١٤٤] لكن هذه المدة في الاسم لئلا يلتبس الاستفهام بالخبر ولا يحتاج ذلك في الفعل لأن همزة الوصل فيه مكسورة، وعنه أيضا ضم ميم «عليهم» إذ أصلها الضم ووصل الهمزة وروى معاذ بن معاذ العنبري عن أبي عمرو كسر الميم على أصل التقاء الساكنين، ووصل الهمزة فتسقط في القراءتين واللفظ خبر والمعنى على الاستفهام، وجاء حذف الهمزة ثقة بدلالة أَمْ عليها كما في قوله:
بسبع رمين الجمر أم بثمان وقال الزمخشري: قرأ أبو جعفر «آستغفرت» إشباعا لهمزة الاستفهام للإظهار والبيان لا قلبا لهمزة الوصل ألفا كما في «السحر» و «الله» وقال أبو جعفر بن القعقاع: بمدة على الهمزة وهي ألف التسوية.
وقرأ أيضا بوصل الألف دون همزة على الخبر، وفي ذلك ضعف لأنه في الأولى أثبت همزة الوصل وقد أغنت عنها همزة الاستفهام، وفي الثانية حذف همزة الاستفهام وهو يريدها، وهذا مما لا يستعمل إلا في الشعر وقوله تعالى:
هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا استئناف مبين لبعض ما يدل على فسقهم، وجوز أن يكون جاريا مجرى التعليل لعدم مغفرته تعالى لهم وليس بشيء لأن ذاك معلل بما قبل، والقائل رأس المنافقين ابن أبي وسائرهم راضون بذلك،
أخرج الترمذي وصححه وجماعة عن زيد بن أرقم قال: غزونا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم وكان معنا ناس من الأعراب فكنا نبتدر الماء وكان الأعراب يسبقونا إليه فيسبق الأعرابي أصحابه فيملأ الحوض ويجعل حوضه حجارة ويجعل النطع عليه حتى يجيء أصحابه فأتى رجل من الأنصار أعرابيا فأرخى زمام ناقته لتشرب فأبى أن يدعه فانتزع حجرا ففاض فرفع الأعرابي خشبة فضرب رأس الأنصاري فشجه فأتى عبد الله بن أبي رأس المنافقين فأخبره وكان من أصحابه فغضب، وقال: لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا من حوله يعني الأعراب، ثم قال لأصحابه: إذا رجعتم إلى المدينة فليخرج الأعز منها الأذل، قال زيد: وأنا ردف عمي فسمعت عبد الله فأخبرت عمي فأخبر رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلم فأرسل إليه رسول الله عليه الصلاة والسلام فحلف وجحد وصدقه صلّى الله تعالى عليه وسلم وكذبني فجاء عمي إلي فقال: ما أردت إلى أن مقتك وكذبك المسلمون فوقع علي من الهم ما لم يقع على أحد قط فبينا أنا أسير وقد خفضت رأسي من الهم إذ أتاني رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلم فعرك أذني وضحك في وجهي ثم إن أبا بكر رضي الله تعالى عنه لحقني فقال: ما قال لك رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم؟ قلت: ما قال لي شيئا إلا أنه عرك أذني وضحك في وجهي فقال: أبشر فلما أصبحنا قرأ رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلم إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ حتى بلغ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَ
وقد تقدم عن البخاري ما يدل على أنه قائل ذلك أيضا.
وأخرج الإمام أحمد ومسلم والنسائي نحو ذلك، والأخبار فيه أكثر من أن تحصى وتلك الغزاة التي أشار إليها زيد قال سفيان: يرون أنها غزاة بني المصطلق، وفي الكشاف خبر طويل في القصة يفهم منه أنهم عنوا بمن عند رسول الله فقراء المهاجرين، والظاهر أن التعبير- برسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلم- أي بهذا اللفظ وقع منهم ولا يأباه كفرهم لأنهم منافقون مقرّون برسالته عليه الصلاة والسلام ظاهرا.
وجوز أن يكونوا قالوه تهكما أو لغلبته عليه صلّى الله تعالى عليه وسلم حتى صار كالعلم لم يقصد منه إلا الذات، ويحتمل أنهم عبروا بغير هذه العبارة فغيرها الله عز وجل إجلالا لنبيه عليه الصلاة والسلام وإكراما، والانفضاض التفرق، وحَتَّى للتعليل أي لا تنفقوا عليهم كي يتفرقوا عنه عليه الصلاة والسلام ولا يصحبوه.
وقرأ الفضل بن عيسى الرقاشي «ينفضّوا» من أنفض القوم فني طعامهم فنفض الرجل وعاءه، والفعل مما يتعدى