وأبي أمامة، وعبد الله بن عمر، وجابر بن عبد الله رضي الله عنهم كلهم يحدث عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال:«من أرسل بنفقة في سبيل الله وأقام في بيته فله بكل درهم سبعمائة درهم ومن غزا بنفسه في سبيل الله تعالى وأنفق في وجهه ذلك فله بكل درهم يوم القيامة سبعمائة ألف درهم» ثم تلا هذه الآية
وعن معاذ بن جبل «إن غزاة المنفقين قد خبأ الله تعالى لهم من خزائن رحمته ما ينقطع عنه علم العباد» وَاللَّهُ واسِعٌ لا يضيق عليه ما يتفضل به من الزيادة عَلِيمٌ بنية المنفق وسائر أحواله، ومناسبة هذه الآية لما قبلها هو أنه تعالى لما ذكر قصة المار على القرية، وقصة إبراهيم عليه الصلاة والسلام- وكانا من أدل دليل على البعث- ذكر ما ينتفع به يوم البعث وما يجد جزاءه هناك وهو الإنفاق في سبيل الله تعالى كما أعقب قصة الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ [البقرة: ٢٤٣] بقوله تعالى عز شأنه: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً [البقرة: ٢٤٥، الحديد: ١١] وكما عقب قتل داود جالوت وقوله تعالى:
وفي ذكره الحبة في التمثيل هنا إشارة أيضا إلى البعث وعظيم القدرة إذ من كان قادرا على أن يخرج من حبة واحدة في الأرض سبعمائة حبة فهو قادر على أن يخرج الموتى من قبورهم بجامع اشتركا فيه من التغذية والنمو الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ استئناف جيء به لبيان كيفية الانفاق الذي بين فضله.
ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا أي انفاقهم أو ما أنفقوه مَنًّا على المنفق عليه وَلا أَذىً أي له- والمنّ- عبد الإحسان وهو في الأصل القطع، ومنه قوله: حبل منين- أي ضعيف- وقد يطلق على النعمة لأن المنعم يقطع من ماله قطعة للمنعم عليه، والأذى- التطاول والتفاخر على المنفق عليه بسبب إنفاقه، وإنما قدم المنّ لكثرة وقوعه وتوسيط كلمة لا لشمول النفي لاتباع كل واحدة منهما، وثُمَّ للتفاوت بين الإنفاق وترك المنّ والأذى في الرتبة والبعد بينهما في الدرجة، وقد استعيرت من معناها الأصلي وهو تباعد الأزمنة لذلك- وهذا هو المشهور في أمثال هذه المقامات- وذكر في الانتصاف وجها آخر في ذلك وهو الدلالة على دوام الفعل المعطوف بها وإرخاء الطول في استصحابه وعلى هذا لا تخرج عن الأشعار ببعد الزمن ولكن معناها الأصلي تراخي زمن وقوع الفعل وحدوثه ومعناها المستعارة له دوام وجود الفعل وتراخي زمن بقائه وعليه يحمل قوله تعالى: ثُمَّ اسْتَقامُوا [فصلت: ٣٠، الأحقاف:
١٣] أي داوموا على الاستقامة دواما متراخيا ممتد الأمد وتلك الاستقامة هي المعتبرة لا ما هو منقطع إلى ضده من الحيد إلى الهوى والشهوات، وكذلك ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ إلخ أي يدومون على تناسي الإحسان وعلى ترك الاعتداد به والامتنان ليسوا بتاركيه في أزمنة ثم يثوبون إلى الإيذاء وتقليد المنّ، وبسببه مثله يقع في السين نحو إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ [الصافات: ٩٩] إذ ليس لتأخر الهداية معنى فيحمل على دوان الهداية الحاصلة له وتراخي بقائها وتمادي أمدها- وهو كلام حسن- ولعله أولى مما ذكروه لأنه أبقى للحقيقة وأقرب للوضع على أحسن طريقة.
والآية كما
أخرج الواحدي عن الكلبي- والعهدة عليه- نزلت في عثمان بن عفان. وعبد الرحمن بن عوف أما عبد الرحمن فإنه جاء إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بأربعة آلاف درهم صدقة فقال: كان عندي ثمانية آلاف درهم فأمسكت منها لنفسي وعيالي أربعة آلاف درهم وأربعة آلاف أقرضها ربي فقال له رسول الله صلى الله تعالى وسلم: «بارك الله لك فيما أمسكت وفيما أعطيت» وأما عثمان رضي الله تعالى عنه فقال: عليّ جهاز له في غزوة تبوك فجهز المسلمين بألف بعير بأقتابها وأحلاسها وتصدق برومة ركية كانت له على المسلمين، وقال أبو سعيد الخدري: رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم رافعا يديه يدعو لعثمان ويقول: «يا رب عثمان بن عفان رضيت عنه فارض عنه فما زال رافعا يديه حتى طلع الفجر» فأنزل الله تعالى فيه الَّذِينَ يُنْفِقُونَ إلخ