كان قوله تعالى: لَوْلا أَخَّرْتَنِي إلخ سؤالا للرجعة بمعنى الرجوع إلى الدنيا بعد الموت لم يحتج قوله تعالى: مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إلى تقدير مضاف كما سمعت آنفا.
وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً أي ولن يمهلها إِذا جاءَ أَجَلُها أي آخر عمرها أو انتهى الزمان الممتد لها من أول العمر إلى آخره على تفسير الأجل به وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ فمجاز عليه، وقرأ أبو بكر بالياء آخر الحروف ليوافق ما قبله في الغيبة ونفسا لكونها نكرة في سياق النفي في معنى الجمع، واستدل الكيا بقوله تعالى: وَأَنْفِقُوا إلخ على وجوب إخراج الزكاة على الفور ومنع تأخيرها، ونسب للزمخشري أنه قال: ليس في الزجر عن التفريط في هذه الحقوق أعظم من ذلك فلا أحد يؤخر ذلك إلا ويجوز أن يأتيه الموت عن قريب فيلزمه التحرز الشديد عن هذا التفريط في كل وقت، وقد أبطل الله تعالى قول المجبرة من جهات: منها قوله تعالى: وَأَنْفِقُوا، ومنها أنه كان قبل حضور الموت لم يقدر على الاتفاق فكيف يتمنى تأخير الأجل، ومنها قوله تعالى مؤيسا له في الجواب: وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ ولولا أنه مختار لأجيب باستواء التأخير والموت حين التمني، وأجيب بأن أهل الحق لا يقولون بالجبر فالبحث ساقط عنهم على أنه لا دلالة في الأول كما في سائر الأوامر كما حقق في موضعه، والتمني- وهو متمسك الفريق- لا يصح الاستدلال به، والقول المؤيس إبطال لتمنيهم لا جواب عنه إذ لا استحقاق لوضوح البطلان، والله تعالى أعلم.