للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقد صرحوا بأن العدد لا مفهوم له والسماء الدنيا منتهى دائرة يتحرك فيها أعلى كوكب من السيارات وبينها وبين هذه الأرض بعد بعيد.

وقوله صلّى الله تعالى عليه وسلم: «خمسمائة عام» من باب التقريب للأفهام، ويقرب الأمر إذا اعتبر ذلك بالنسبة إلى الراكب المجد كما وقع في كثير من أخبار فيها تقدير مسافة، وقوله عليه الصلاة والسلام في السماء الدنيا: «موج مكفوف» يمكن أن يكون من التشبيه البليغ في اللطافة ونحوها أو هو على حقيقته والتنوين فيه للنوعية حتى يقوم الدليل العقلي الصحيح على امتناعها، وتزيين هذه السماء بالكواكب لظهورها فيها على ما يشاهد فلا يضر في ذلك كونها كلا أو بعضا فوقها أو تحتها، ولم يقم دليل على أن شيئا من الكواكب مغروز في شيء من السماوات كالفص في الخاتم والمسمار في اللوح، بل في بعض الأخبار ما يدل على خلافة، نعم أكثر الأخبار في أمر السماوات والأرض والكواكب لا يعول عليها كما أشار إليه النسفي في بحر الكلام، وكذا ما قاله قدماء أهل الهيئة ومحدثوهم، وفي كل مما ذهب الفريقان إليه ما يوافق أصولنا وما يخالفه وما شريعتنا ساكتة عنه لم تتعرض له بنفي أو إثبات، وحيث كان من أصولنا أنه متى عارض الدليل العقلي الدليل السمعي وجب تأويل الدليل السمعي للدليل العقلي لأنه أصله ولو أبطل به لزم بطلانه نفسه فالأمر سهل لأن باب التأويل أوسع من فلك الثوابت ولا أرى بأسا في ارتكاب تأويل بعض الظواهر المستبعدة بما لا يستبعد وإن لم يصل الاستبعاد إلى حد الامتناع إذ تضمن ذلك مصلحة دينية ولم يستلزم مصادمة معلوم من الدين بالضرورة، وقد يلتزم الإبقاء على الظاهر وتفويض الأمر إلى قدرة الله تعالى التي لا يتعاصاها شيء رعاية لأذهان العوام المقيدين بالظواهر الذين يعدون الخروج عنها لا سيما إلى ما يوافق الحكمة الجديدة ضلالا محضا وكفرا صرفا ورحم الله تعالى امرأ جب الغيبة عن نفسه.

وقد أخرج عبد بن حميد وابن الضريس وابن جرير من طريق مجاهد عن ابن عباس في هذه الآية قال: لو حدثتكم بتفسيرها لكفرتم بتكذيبكم بها. وبالجملة من صدق بسعة ملك الله تعالى وعظيم قدرته عز وجل لا ينبغي أن يتوقف في وجود سبع أرضين على الوجه الذي قدمناه، ويحمل السبع على الأقاليم أو على الطبقات المعدنية والطينية ونحوهما مما تقدم، وليس في ذلك ما يصادم ضروريا من الدين أو يخالف قطعيا من أدلة المسلمين، ولعل القول بذلك التعدد هو المتبادر من الآية، وتقتضيه الأخبار، ومع هذا هو ليس من ضروريات الدين فلا يكفر منكره أو المتردد فيه لكن لا أرى ذلك إلا عن جهل بما هو الأليق بالقدرة والأخرى بالعظمة، والله تعالى الموفق للصواب.

يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ أي يجري أمر الله تعالى وقضاؤه وقدره عز وجل بينهن وينفذ ملكه فيهن وأخرج ابن المنذر وغيره عن قتادة قال: في كل سماء وفي كل أرض خلق من خلقه تعالى وأمر من أمره وقضاء من قضائه عز وجل، وقيل: يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ بحياة وموت وغنى وفقر، وقيل: هو ما يدبره سبحانه فيهن من عجيب تدبيره جل شأنه، وقال مقاتل وغيره: الْأَمْرُ هنا الوحي، وبَيْنَهُنَّ إشارة إلى بين هذه الأرض التي هي أدناها وبين السماء السابعة، والأكثرون على أنه القضاء والقدر كما سبق، وأن بَيْنَهُنَّ إشارة إلى بين الأرض السفلى التي هي أقصاها وبين السماء السابعة التي هي أعلاها وقرأ عيسى وأبو عمرو في رواية «ينزّل» مضارع نزل مشددا «الأمر» بالنصب أي ينزل الله الأمر لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ متعلق- بخلق- أو- بيتنزل- أو بمضمر يعمهما أي فعل ذلك لتعلموا أن من قدر على ما ذكر قادر على كل شيء، وقيل: التقدير أخبرتكم أو أعلمتكم بذلك لتعلموا، وقرىء- ليعلموا- بياء الغيبة.

وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً لاستحالة صدور هذه الأفاعيل ممن ليس كذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>