أنه عليه الصلاة والسلام لم يطلق حفصة وأن في النساء خيرا منهن مع أن المذهب على ما قيل: إنه ليس على وجه الأرض خير منهن لأن تعليق طلاق الكل لا ينافي تطليق واحدة والمعلق بما لم يقع لا يجب وقوعه، وجوز أن يكون الخطاب للجميع على التغليب، وأصل الخطاب لاثنتين منهن وهما المخاطبتان أولا بقوله تعالى: إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما إلخ فكأنه قيل: عسى ربه إن طلقكما وغيركما أن يبدله خيرا منكما ومن غيركما من الأزواج، والظاهر أن عدم دلالة الآية على أنه عليه الصلاة والسلام لم يطلق حفصة وأن في النساء خيرا من أزواجه صلى الله تعالى عليه وسلم على حاله لأن التعليق على طلاق الاثنتين ولم يقع فلا يجب وقوع المعلق ولا ينافي تطليق واحدة، وقال الخفاجي والتغليب في خطاب الكل مع أن المخاطب أولا اثنتان، وفي لفظة إِنْ الشرطية أيضا الدالة على عدم وقوع الطلاق.
وقد روي أنه صلى الله تعالى عليه وسلم طلق حفصة فغلب ما لم يقع من الطلاق على الواقع وعلى التعميم لا تغليب في الخطاب ولا في إِنْ انتهى، وفيه بحث، ثم إن المشهور أن عَسى في كلامه تعالى للوجوب، وأن الوجوب هنا إنما هو بعد تحقق الشرط، وقيل: هي كذلك إلا هنا، والشرط معترض بين اسم عَسى وخبرها.
والجواب محذوف أي إن طلقكن فعسى إلخ، وأَزْواجاً مفعول ثان- ليبدل- وخَيْراً صفته وكذا ما بعد، وقرأ أبو عمرو في رواية عياش «طلقكن» بإدغام القاف في الكاف.
وقرأ نافع وأبو عمرو وابن كثير «يبدّله» بالتشديد للتكثير مُسْلِماتٍ مقرات مُؤْمِناتٍ مخلصات لأنه يعتبر في الإيمان تصديق القلب، وهو لا يكون إلا مخلصا، أو منقادات على أن الإسلام بمعناه اللغوي مصدقات قانِتاتٍ مصليات أو مواظبات على الطاعة مطلقا تائِباتٍ مقلعات عن الذنب عابِداتٍ متعبدات أو متذللات لأمر رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم سائِحاتٍ صائمات كما قال ابن عباس وأبو هريرة وقتادة والضحاك والحسن وابن جبير وزيد بن أسلم وابنه عبد الرحمن، وروي عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، قال الفراء: وسمي الصائم سائحا لان السائح لا زاد معه. وإنما يأكل من حيث يجد الطعام، وعن زيد بن أسلم ويمان مهاجرات، وقال ابن زيد: ليس في الإسلام سياحة إلا الهجرة، وقيل: ذاهبات في طاعة الله تعالى أي مذهب.
وقرأ عمرو بن فائد «سيحات» ثَيِّباتٍ جمع ثيب من ثاب يثوب ثوبا، وزنه فيعل كسيد وهي التي تثوب أي ترجع عن الزوج أي بعد زوال عذرتها وَأَبْكاراً جمع بكر من بكر إذا خرج بكرة وهي أول النهار، وفيها معنى التقدم سميت بها التي لم تفتض اعتبارا بالثيب لتقدمها عليها فيما يراد له النساء، وترك العطف في الصفات السابقة لأنها صفات تجتمع في شيء واحد وبينها شدة اتصال يقتضي ترك العطف ووسط العاطف هنا للدلالة على تغاير الصفتين وعدم اجتماعهما في ذات واحدة، ولم يؤت- بأو- قيل: ليكون المعنى أزواجا بعضهن ثيبات وبعضهن أبكار، وقريب منه ما قيل: وسط العاطف بين الصفتين لأنهما في حكم صفة واحدة إذ المعنى مشتملات على الثيبات والأبكار فتدبر، وفي الانتصاف لابن المنير ذكر لي الشيخ ابن الحاجب أن القاضي الفاضل عبد الرحيم البيساني الكاتب كان يعتقد أن الواو في الآية هي الواو التي سماها بعض ضعفة النحاة واو الثمانية لأنها ذكرت مع الصفة الثامنة، وكان الفاضل يتبجح باستخراجها زائدة على المواضع الثلاثة المشهورة قبله: أحدها في التوبة التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ إلى قوله سبحانه: وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ [التوبة: ١١٢] ، والثاني في قوله تعالى: وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ [الكهف: ٢٢] ، والثالث في قوله تعالى: وَفُتِحَتْ أَبْوابُها [الزمر: ٧٣] إلى أن ذكر ذلك يوما بحضرة أبي الجود النحوي المقرئ فبين له أنه واهم في عدها من ذلك القبيل، وأحال على المعنى الذي ذكره الزمخشري من