فضل الله تعالى ورحمته سبحانه كأطفال الكفار عند الجمهور. وروى ابن جبير عن ابن عباس أن الزنيم هو الذي يعرف بالشر كما تعرف الشاة بالزنمة. وفي رواية ابن أبي حاتم عنه هو الرجل يمر على القوم فيقولون رجل سوء والمال واحد وعنه أيضا أنه المعروف بالأبنة ولا يخفى أن المأبون معدن الشرور بل من لم يصل في ذلك الأمر الشنيع إلى تلك المرتبة كذلك في الأغلب ولا حاجة إلى كثرة الاستشهاد في هذا الباب. وفي قول الشاعر الاكتفاء وهو:
ولكم بذلت لك المودة ناصحا ... فغدرت تسلك في الطريق الأعوج
ولكم رجوتك للجميل وفعله ... يوما فناداني النهي لا ترتج
وأخرج ابن جرير وابن مردويه عنه أنه قال: نزل على النبيّ صلّى الله عليه وسلم وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ إلخ فلم يعرف حتى نزل عليه الصلاة والسلام بعد ذلك زَنِيمٍ فعرفناه له زنمة في عنقه كزنمة الشاة، واستشكل هذا بأن الزنيم عليه ليس صفة ذم فضلا عن كونه أعظم فيه من الصفات التي قبل ذلك على ما يفيده بعد ذلك، ولا يكاد يحسن تعليل النهي به على أن من المعلوم أن ليس المراد بالموصوف بهذه الصفات شخصا بعينه لمكان كُلَّ ويحمل ما جاء في الروايات من أنه الوليد بن المغيرة المخزومي وكان دعيا في قريش ليس من سنخهم ادعاه أبوه بعد ثماني عشرة من مولده، أو الحكم طريد رسول الله صلّى الله عليه وسلم، أو الأخنس بن سريق وكان أصله من ثقيف وعداده في زهرة أو الأسود بن عبد يغوث، أو أبو جهل على بيان سبب النزول وقيل في ذلك أن المراد ذمه بقبح الخلق بعد ذمه بما تقدم وهو كما ترى فتأمل فلعلك تظفر بما يريح البال ويزيح الإشكال.
وقوله تعالى أَنْ كانَ ذا مالٍ وَبَنِينَ بتقدير لام التعليل وهو متعلق بقوله سبحانه لا تُطِعْ أي لا تطع من هذه مثالبه لأن كان متمولا متقويا بالبنين وقوله سبحانه إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ استئناف جار مجرى التعليل للنهي وجوز أن يكون لأن متعلقا بنحو كذب، ويدل عليه الجملة الشرطية ويقدر مقدما دفعا لتوهم الحصر كأنه قيل كذب لأن كان إلخ والمراد أنه بطر نعمة الله تعالى ولم يعرف حقها ولم يجوز تعلقه بقال المذكور بعد لأن ما بعد الشرط لا يعمل فيما قبله، ولعل من يقول باطراد التوسع في الظرف يجوز ذلك وكذا من يجعل إذا هنا ظرفية. وقال أبو علي الفارسي: يجوز تعلقه بعتل وإن كان قد وصف، وتعقبه أبو حيان بأنه قول كوفي ولا يجوز ذلك عند البصريين، وقيل متعلق بزنيم ويحسن ذلك إذا فسر بقبيح الأفعال.
وقرأ الحسن وابن أبي إسحاق وأبو جعفر وأبو بكر وحمزة وابن عامر «أأن كان» على الاستفهام وحقق الهمزتين حمزة وسهل الثانية باقيهم على ما في البحر. وقال بعض: قرأ أبو بكر وحمزة بهمزتين وابن عامر بهمزة ومدة والمعنى أكذب بها لأن كان ذا مال أو أطيعه لأن كان إلخ. وقرأ نافع في رواية اليزيدي عنه «إن كان» بالكسر على أن شرط الغنى في النهي عن الطاعة كالتعليل بالفقر في النهي عن قتل الأولاد بمعنى النهي في غير ذلك يعلم بالطريق الأولى فيثبت بدلالة النص والشرط والعلة في مثله مما لا مفهوم له، أو على أن الشرط للمخاطب. وحاصل المعنى لا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ إلخ شارطا يساره لأن إطاعة الكافر لغناه بمنزلة اشتراط غناه في الطاعة. وفيه تنزيل المخاطب منزلة من شرط ذلك وحققه زيادة للإلهاب والثبات، وتعريضا بمن يحسب الغنى مكرمة. والظاهر أن الجملة الشرطية بعد استئناف وقيل: هذا مما اجتمع فيه شرطان وليسا من الشروط المترتبة الوقوع فالمتأخر لفظا هو المتقدم، والمتقدم لفظا هو شرط في الثاني فهو كقوله:
فإن عثرت بعدها إن وألت ... نفسي من هاتا فقولا لا لعا