وتثبت فيها الأمور الحقة من الحساب والثواب والعقاب أو التي تحق فيها الأمور أي تعرف على الحقيقة من حقه يحقه إذا عرف حقيقته وروي هذا عن ابن عباس وغيره وإسناد الفعل لها على الوجهين الأخيرين مجاز وهو حقيقة لما فيها من الأمور أو لمن فيها من أولي العلم وفي الكشف كون الإسناد مجازيا إنما هو على الوجه الأخير وأما على الوجه الثاني فيحتمل الإسناد المجازي أيضا لأن الثبوت والوجوب لما فيها ويحتمل أن يراد ذو الحاقة من باب تسمية الشيء باسم ما يلابسه وهذا أرجح لأن الساعة وما فيها سواء في وجوب الثبوت فيضعف قرينة الإسناد المجازي والتجوز فيه تصوير ومبالغة انتهى. وبحث فيه الجلبي بما فيه بحث فارجع إليه وتدبر وقال الأزهري الْحَاقَّةُ القيامة من حاققته فحققته أي غالبته فغلبته فهي حاقة لأنها تحق كل محاق دين الله تعالى بالباطل أي كل مخاصم فتغلبه وظاهر كلامهم أنها على جميع ذلك وصف حذف موصوفة للإيذان بكمال ظهور اتصافه بهذه الصفة وجريانه مجرى الاسم. وقيل إنها على ما روي عن ابن عباس من كونها من أسماء يوم القيامة اسم جامد لا يعتبر موصوف محذوف وقيل هي مصدر كالعاقبة والعافية وأيّا ما كان فهي مبتدأ خبرها جملة مَا الْحَاقَّةُ على أن مبتدأ والْحَاقَّةُ خبر أو بالعكس ورجح معنى والأول هو المشهور والرابط إعادة المبتدأ بلفظه والأصل ما هي أي أي شيء هي في حالها وصفتها فإن ما قد يطلب بها الصفة والحال فوضع الظاهر موضع المضمر تعظيما لشأنها وتهويلا لأمرها. وقوله تعالى وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ أي أي شيء أعلمك ما هي تأكيد لهولها وفظاعتها ببيان خروجها عن دائرة علوم المخلوقات على معنى أن أعظم شأنها ومدى هولها وشدتها بحيث لا يكاد تبلغه دراية أحد ولا وهمه، وكيفما قدرت حالها فهي وراء ذلك وأعظم وأعظم فلا يتسنى الإعلام ومنه يعلم أن الاستفهام كني به عن لازمه من أنها لا تعلم ولا يصل إليها دراية دار ولا تبلغها الأوهام والأفكار وما في موضع الرفع على الابتداء وإدراك خبره ولا مساغ هاهنا للعكس ومَا الْحَاقَّةُ جملة محلها النصب على إسقاط الخافض لا إن أدري يتعدى إلى المفعول الثاني بالباء كما في قوله تعالى وَلا أَدْراكُمْ بِهِ [يونس: ١٦] فلما وقعت جملة الاستفهام معلقة له كانت في موضع المفعول الثاني، وتعليق هذا الفعل على ما قيل لما فيه من معنى العلم والجملة أعني ما أدراك إلخ معطوفة على ما قبلها من الجملة الصغرى كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعادٌ بِالْقارِعَةِ بالقيامة التي تقرع الناس بالإفزاع والأهوال والسماء بالانشقاق والانفطار والأرض والجبال بالدك والنسف والنجوم بالطمس والانكدار ووضعها موضع ضمير الْحَاقَّةُ للدلالة على معنى القرع وهو ضرب شيء بشيء فيها تشديدا لهولها. والجملة استئناف مسوق لبيان بعض أحوال الحاقة له عليه الصلاة والسلام أثر تقريراته ما أدراه صلّى الله عليه وسلم بها أحد والمبين كونها بحيث يحق إهلاك من يكذب بها كأنه قيل وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ كذبت بها ثمود وعاد فأهلكوا فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا أي أهلكهم الله تعالى. وقرأ زيد بن علي «فهلكوا» بالبناء للفاعل بِالطَّاغِيَةِ أي الواقعة المجاوزة للحد وهي الصيحة لقوله تعالى في [هود: ٦٧] وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ وبها فسرت الصاعقة في حم السجدة أو الرجفة لقوله سبحانه في [الأعراف: ٧٨، ٩١] فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ وهي الزلزلة المسببة عن الصيحة فلا تعارض بين الآيات لأن الإسناد في بعض إلى السبب القريب وفي بعض آخر إلى البعيد والأول مروي عن قتادة قال: أي بالصيحة التي خرجت عن حد كل صيحة، وقال ابن عباس وأبو عبيدة وابن زيد ما معناه الطاغية مصدر فكأنه قيل بطغيانهم وأيد بقوله تعالى كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها [الشمس: ١١] والمعول عليه الأول لمكان قوله تعالى وَأَمَّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ وإيضاح ذلك أن الآية فيها جمع وتفريق، فلو قيل أهلك هؤلاء بالطغيان على أن ذلك سبب جالب وهؤلاء بالريح على أنه سبب آلي لم يكن طباق إذ جاز أن يكون