قال الخليل قيل والمعنى قاطعات الخير بنحوستها وشؤمها فمعمول حُسُوماً محذوف أو قاطعات قطعت دابرهم وأهلكتهم عن آخرهم كما قال ابن زيد. وقال الراغب الحسم إزالة أثر الشيء يقال: قطعه فحسمه أي أزال مادته وبه سمي السيف حساما وحسم الداء إزالة أثره بالكي وقيل للشؤم المزيل لأثر ما ناله حسوم وحُسُوماً في الآية قيل حاسما أثرهم وقيل حاسما خبرهم وقيل قاطعا لعمرهم وكل ذلك داخل في عمومه فلا تغفل. وجوز أن يكون حسوما مصدرا لا جمع حاسم وانتصابه إما بفعله المقدر حالا أي بحسمهم حسوما بمعنى تستأصلهم استئصالا أو على العلة أي سخرها عليهم لأجل الاستئصال أو على أنه صفة أي ذات حسوم.
وأيدت المصدرية بقراءة السدي «حسوما» بفتح الحاء على أنه حال من الريح أي سخرها مستأصلة لتعين كونه مفردا على ذلك وهي كانت أيام العجوز من صبح الأربعاء لثمان بقين من شوال إلى غروب الأربعاء الآخر، وإنما سميت أيام العجوز، لأن عجوزا من عاد توارت في سرب فانتزعتها الريح في اليوم الثامن وأهلكتها، أو لأنها عجز الشتاء فالعجوز بمعنى العجز وأسماؤها الصن والصنبر والوبر والآمر والمؤتمر والمعلل ومطفىء الجمر ومطفىء الظعن ولم يذكر هذا الثامن من قال إنها سبعة لا ثمانية كما هو المختار فَتَرَى الْقَوْمَ أي إن كنت حاضرا حينئذ فالخطاب فيه فرضي فِيها أي في الأيام والليالي وقيل في مهاب الريح وقيل في ديارهم والأول أظهر صَرْعى أي هلكى جمع صريع كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ أي أصول نخيل وقرأ أبو نهيك:
«أعجز» على وزن أفعل كضبع وأضبع وحكى الأخفش أنه قرىء «نخيل» بالياء خاوِيَةٍ خلت أجوافها بلى وفسادا وقال ابن شجرة كانت تدخل من أفواههم فتخرج ما في أجوافهم من الحشو من أدبارهم فصاروا كأعجاز النخل الخاوية. وقال يحيى بن سلام خلت أبدانهم من أرواحهم فكانوا كذلك. وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال: كانوا في سبعة أيام في عذاب ثم في الثامن ماتوا وألقتهم الريح في البحر فذلك قوله تعالى فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ أي بقية على أن الباقية اسم كالبقية لا وصف والتاء للنقل إلى الاسمية أو نفس باقية على أن الموصوف مقدر والتاء للتأنيث وقال ابن الأنباري أي باق والهاء للمبالغة وجوز أن يكون مصدرا كالطاغية والكاذبة أي بقاء والتاء للوحدة وَجاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ ومن تقدمه من الأمم الكافرة كقوم نوح عليه السلام وفيه تعميم بعد التخصيص فإن منهم عادا وثمودا وقرأ أبو رجاء وطلحة والجحدري والحسن بخلاف عنه وعاصم في رواية أبان والنحويان وأبان «ومن قبله» بكسر القاف وفتح الباء أي ومن في جهته وجانبه والمراد ومن عنده من أتباعه وأهل طاعته ويؤيده قراءة أبي وابن مسعود ومن معه وَالْمُؤْتَفِكاتُ أي قرى قوم لوط عليه السلام والمراد أهلها مجازا بإطلاق المحل على الحال أو بتقدير مضاف وعلى الإسناد المجازي والقرينة العطف على من يتصف بالمجيء وقرى الحسن هنا «والمؤتفكة» على الإفراد بِالْخاطِئَةِ أي بالخطأ على أنه مصدر على زنة فاعلة أو بالفعلة أو الأفعال ذات الخطأ العظيم على أن الإسناد مجازي وهو حقيقة لأصحابها واعتبار العظم لأنه لا يجعل الفعل خاطئا إلّا إذا كان صاحبه بليغ الخطأ ويجوز أن تكون الصيغة للنسبة فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ أي فعصى كل أمة رسولها حين نهاها عما كانت تتعاطاه من القبائح، فإفراد الرسول على ظاهره وجوز أن يكون جمعا أو مما يستوي فيه الواحد وغيره لأنه مصدر في الأصل وأريد منه التكثير لاقتضاء السياق له فهو من مقابلة الجمع المقتضي لانقسام الآحاد أو أطلق الفرد عليهم لاتحادهم معنى فيما أرسلوا به والظاهر أن هذا بيان لمجيئهم بالخاطئة فَأَخَذَهُمْ أي الله عز وجل أَخْذَةً رابِيَةً أي زائدة في الشدة كما زادت قبائحهم في القبح من ربا الشيء إذا زاد إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ جاوز حده المعتاد حتى أنه علا على أعلى جبل خمس عشرة ذراعا أو طغى على خزانه على ما سمعت قبيل هذا وذلك بسبب