للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فاسلكوها فيه والجمهور على الظاهر والفاء جزائية كما في قوله تعالى وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ [المدثر: ٣] والتقدير مهما يكن من شيء فاسلكوه في سلسلة إلخ فقدم الظرف وما معه عوضا عن المحذوف ولتتوسط الفاء كما هو حقها وليدل على التخصيص كأنه قيل لا تسلكوه إلّا في هذه السلسلة كأنها أفظع من سائر مواضع الإرهاق من الجحيم ويجوز أن يكون التقدير هكذا ثم مهما يكن من شيء ففي سلسلة ذرعها سبعون ذراعا اسلكوه ففيه تقديمان تقديم الظرف على الفعل للدلالة على التخصيص وتقديمه على الفاء بعد حذف حرف الشرط للتعويض وتوسيط الفاء وثُمَّ في الموضعين لتفاوت ما بين أنواع ما يعذبون به من الغل والتصلية والسلك على ما اختاره جمع، وجوز بعضهم كونها على ظاهرها من الدلالة على المهلة ورجح الأول بأنه أنسب بمقام التهديد، وزعم بعض أن ثُمَّ الثانية لعطف قول مضمر على ما أضمر قبل خُذُوهُ إشعارا بتفاوت ما بين الأمرين وفاء فَاسْلُكُوهُ لعطف المقول على المقول لئلا يتوارد حرفا عطف على معطوف واحد ويلزمه أن يكون تقديم السلسلة على الفاء بعد حذف القول لئلا يلزم التوارد المذكور ومبنى هذا التكلف البادر الغفلة عما ذكرناه فلا تغفل ويعلم منه وهن ما قيل إنه ليس في الآية ما يفيد التخصيص لأن فِي سِلْسِلَةٍ ليس معمولا لاسلكوه لئلا يلزم الجمع بين حرفي عطف بل هو معمول لمحذوف فيقدر مقدما على الأصل على أن تقديم الجحيم كالقرينة على كون فِي سِلْسِلَةٍ مقدما على عامله إِنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ تعليل على طريقة الاستئناف للمبالغة كأنه قيل لم استحق هذا قيل لم استحق هذا فقيل لأنه كان في الدنيا مستمرا على الكفر بالله تعالى العظيم وقيل أي كان في علم الله تعالى المتعلق بالأشياء على ما هي عليه في نفس الأمر أنه لا يتصف بالإيمان به عزّ وجلّ والأول هو الظاهر، وذكر الْعَظِيمِ للإشارة إلى وجه عظم عذابه، وقيل للإشعار بأنه عزّ وجلّ المستحق للعظمة فحسب فمن نسبها إلى نفسه استحق أعظم العقوبات وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ أي ولا يحث على بذل طعامه الذي يستحقه في مال الموسر ففيه مضاف مقدر لأن الحث إنما يكون على الفعل، والطعام ليس به ويجوز أن يكون الطعام بمعنى الإطعام بوضع الاسم موضع المصدر كالعطاء بمعنى الإعطاء أي ولا يحث على إطعام المسكين فضلا عن أن يبذل ما له فليس هناك مضاف محذوف. وقيل ذكر الحض للإشعار بأن تارك الحض بهذه المنزلة فكيف بتارك الفعل.

وما أحسن قول زينب الطثرية ترثي أخاها يزيد:

إذا نزل الأضياف كان عذورا ... على الحي تستقل مراجله

تريد حضهم على القرى واستعجلهم وتشاكس عليهم وفيه أوجه من المدح. وكان أبو الدرداء رضي الله تعالى عنه يحض امرأته على تكثير المرق لأجل المساكين ويقول: خلعنا نصف السلسلة بالإيمان أفلا نخلع نصفها اقتبس ذلك من الآية فإنه جعل استحقاق السلسلة معللا بعدم الإيمان وعدم الحض وتخصيص الأمرين بالذكر قيل لما أن أقبح العقائد الكفر وأشنع الرذائل البخل وقسوة القلب وفي الآية دلالة على أن الكفار مخاطبون بالفروع كالهول وإلّا لم يعاقبوا على ترك الحض على طعام المسكين فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هاهُنا حَمِيمٌ قريب مشفق يحميه ويدفع عنه لأن أولياءه يتحامونه ويفرون منه وَلا طَعامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ قال اللغويون هو ما يجري من الجراح إذا غسلت فعلين من الغسل وقال ابن عباس في رواية ابن أبي حاتم وابن المنذر من طريق عكرمة عنه أنه الدم والماء الذي يسيل من لحوم أهل النار وفي معناه قوله في روايتهما من طريق علي بن أبي طلحة عنه هو صديد أهل النار. وأخرج ابن أبي حاتم من طريق عنه أنه قال: ما أدري ما الغسلين ولكني أظنه الزقوم والأكثرون على الأول.

وأخرج الحاكم وصححه عن أبي

<<  <  ج: ص:  >  >>