وقيل: مزيدة على رأي الأخفش، وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وعاصم في رواية ابن عياش، ويعقوب- «نكفّر» - بالنون مرفوعا على أنه جملة مبتدأة أو اسمية معطوفة على ما بعد الفاء أي ونحن نكفر، وقيل: لا حاجة إلى تقدير المبتدأ، والفعل نفسه معطوف على محل ما بعد الفاء لأنه وحده مرفوع لأن الفاء الرابطة مانعة من جزمه لئلا يتعدد الرابط، وقرأ حمزة. والكسائي- نكفر- بالنون مجزوما بالعطف على محل الفاء مع ما بعدها لأنه جواب الشرط قاله غير واحد، واستشكله البدر الدماميني بأنه صريح في أن الفاء، وما دخلت عليه في محل جزم، وقد تقرر أن الجملة لا تكون ذات محل من الإعراب إلا إذا كانت واقعة موقع المفرد وليس هذا من محال المفرد حتى تكون الجملة واقعة موقع ذات محل من الإعراب وذلك لأن جواب الشرط إنما يكون جملة ولا يصح أن يكون مفردا فالموضع للجملة بالأصالة وادعى أن جزم الفعل ليس بالعطف على محل الجملة وإنما هو لكونه مضارعا وقع صدر جملة معطوفة على جملة جواب الشرط الجازم وهي لو صدرت بمضارع كان مجزوما فأعطيت الجملة المعطوفة حكم الجملة المعطوف عليها وهو جزم صدرها إذا كان فعلا مضارعا ويمكن دفعه بالعناية فتدبر، وقرئ- وتكفر- بالتاء مرفوعا ومجزوما على حسب ما علمت والفعل للصدقات وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ في صدقاتكم من الإبداء والإخفاء خَبِيرٌ عالم لا يخفى عليه شيء فيجازيكم على ذلك كله، ففي الجملة ترغيب في الإعلان والإسرار وإن اختلفا في الأفضلية، ويجوز أن يكون الكلام مساقا للترغيب في الثاني لقربه ولكون الخبرة بالإبداء ليس فيها كثير مدح.
لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ أي لا يجب عليك أيها الرسول أن تجعل هؤلاء المأمورين بتلك المحاسن المنهيين عن هاتيك الرذائل مهديين إلى الائتمار والانتهاء- إن أنت إلا بشير ونذير، وما عليه إلا البلاغ المبين- وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي بهدايته الخاصة الموصلة إلى المطلوب قطعا مَنْ يَشاءُ هدايته منهم، والجملة معترضة جيء بها على طريق تلوين الخطاب وتوجيهه إلى سيد المخاطبين صلى الله تعالى عليه وسلم مع الالتفات إلى الغيبة فيما بين الخطابات المتعلقة بأولئك المكلفين مبالغة في حملهم على الامتثال، وإلى هذا المعنى ذهب الحسن. وأبو علي الجبائي، وهو مبني على رجوع ضمير هُداهُمْ إلى المخاطبين في تلك الآيات السابقة، والذي يستدعيه سبب النزول رجوعه إلى الكفار،
فقد أخرج ابن أبي حاتم وغيره عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما «أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم كان يأمرنا أن لا نتصدق إلا على أهل الإسلام حتى نزلت هذه الآية»
وأخرج ابن جرير عنه قال: كان أناس من الأنصار لهم أنسباء وقرابة وكانوا يتقون أن يتصدقوا عليهم ويريدونهم أن يسلموا فنزلت.
وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن جبير قال:«قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: لا تصدقوا إلا على أهل دينكم» فأنزل الله تعالى لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ
أي ليس عليك هدى من خالفك حتى تمنعهم الصدقة لأجل دخولهم في الإسلام وحينئذ لا التفات، وإنما هناك تلوين الخطاب فقط، والآية حث على الصدقة أيضا ولكن بوجه آخر والارتباط على التقديرين ظاهر، وجعلها مرتبطة- بقوله سبحانه: يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ [البقرة: ٢٦٩] إشارة إلى قسم آخر من الناس لم يؤتها- ليس بشيء وَما تُنْفِقُوا في وجوه البر مِنْ خَيْرٍ أي مال فَلِأَنْفُسِكُمْ أي فهو لأنفسكم لا ينتفع به في الآخرة غيركم «فلا تيمموا الخبيث» ولا تبطلوه بالمنّ والأذى ورئاء الناس، أو فلا تمنعوه عن الفقراء كيف كانوا فإن نفعكم به دينيّ ونفع الكافر منهم دنيوي، وما شرطية جازمة لتنفقوا منتصبة به على المفعولية، مَنْ تبعيضية متعلقة بمحذوف وقع صفة لاسم الشرط مبينة ومخصصة له وَما تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ اللَّهِ استثناء من أعم العلل وأعم الأحوال أي ما تنفقون بسبب من الأسباب إلا لهذا السبب، أو في حال من الأحوال إلا في هذه الحال، والجملة إما حال أو معطوفة على ما قبلها على معنى وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فإنما يكون لكم لا عليكم