يتعلق بها وتعظيما لأمر الله عز وجل فيما يتعلق بحقوقه سبحانه، وخص بعضهم الشهادة بما يتعلق بحقوق العباد وذكر أنها مندرجة في الأمانات إلّا أنها خصت بالذكر لإبانة فضلها وجمعها لاختلاف الأنواع ولو لم يعتبر ذلك أفرد على ما قيل لأنها مصدر شامل للقليل والكثير. وقرأ الجمهور بالإفراد على ما سمعت آنفا وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ أي يراعون شرائطها ويكملون فرائضها وسننها ومستحباتها باستعارة الحفظ من الضياع للإتمام والتكميل وهذا غير الدوام فإنه يرجع إلى أنفس الصلوات وهذا يرجع إلى أحوالها فلا يتكرر مع ما سبق من قوله تعالى الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ وكأنه لما كان ما يراعى في إتمام الصلاة وتكميلها مما يتفاوت بحسب الأوقات جيء بالمضارع الدال على التجدد كذا قيل. وقيل إن الإتيان به مع تقديم هم لمزيد الاعتناء بهذا الحكم لما أن أمر التقوى في مثل ذلك أقوى منه في مثل هم محافظون واعتبر هذا هنا دون ما في الصدر لأن المراعاة المذكورة كثيرا ما يفغل عنها. وفي افتتاح الأوصاف بما يتعلق بالصلاة واختتامها به دلالة على شرفها وعلو قدرها لأنها معراج المؤمنين ومناجاة رب العالمين ولذا جعلت قرة عين سيد المرسلين صلّى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين وتكرير الموصولات لتنزيل اختلاف الصفات منزلة اختلاف الذوات إيذانا بأن كان واحد من الأوصاف المذكورة نعت جليل على حياله له شأن خطير مستتبع لأحكام جمة حقيق بأن يفرد له موصوف مستقل ولا يجعل شيء منها تتمة للآخر أُولئِكَ إشارة إلى الموصوفين بما ذكر من الصفات وما فيه من معنى البعد لبعد المشار إليهم إما في الفضل أو في الذكر باعتبار مبدأ الأوصاف المذكورة وهو مبتدأ خبره فِي جَنَّاتٍ أي مستقرون في جنات لا يقادر قدرها ولا يدرك كنهها وقوله تعالى مُكْرَمُونَ خبر آخر أو هو الخبر وفِي جَنَّاتٍ متعلق به قدم عليه للاهتمام مع مراعاة الفواصل أو بمضمر هو حال من الضمير في الخبر أي مكرمون كائنين في جنات فَمالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ أي في الجهة التي تليك مُهْطِعِينَ مسرعين نحوك مادّي أعناقهم إليك مقبلين بأبصارهم عليك ليظفروا بما يجعلونه هزؤا عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ جماعات في تفرقة كما قال أبو عبيدة وأنشدوا قول عبيد بن الأبرص:
فجاؤوا يهرعون إليه حتى ... يكونوا حول منبره عزينا
وخص بعضهم كل جماعة بنحو ثلاثة أشخاص أو أربعة جمع عزة وأصلها عزوة من العز ولأن كل فرقة تعتزي وتنتسب إلى غير من تعتزي إليه الأخرى فلامها واو وقيل لامها هاء والأصل عزهة وجمعت بالواو والنون كما جمعت سنة وأخواتها وتكسر العين في الجمع وتضم. وقالوا: عزى على فعل ولم يقولوا عزات ونصب عزين على أنه حال من الَّذِينَ كَفَرُوا أو من الضمير في مُهْطِعِينَ على التداخل وعَنِ الْيَمِينِ إما متعلق به لأنه بمعنى متفرقين أو بمهطعين أي مسرعين عن الجهتين أو هو حال أي كائنين عن اليمين
روي أنه عليه الصلاة والسلام كان يصلي عند الكعبة ويقرأ القرآن فكان المشركين يجتمعون حوله حلقا حلقا وفرقا يستمعون ويستهزئون بكلامه عليه الصلاة والسلام ويقولون إن دخل هؤلاء الجنة كما يقول محمد صلّى الله عليه وسلم فلندخلها قبلهم فنزلت
وفي بعض الآثار ما يشعر بأن الأولى أن لا يجلس المؤمنون عزين لأنه من عادة الجاهلية أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ أي بلا إيمان وهو إنكار لقولهم إن دخل هؤلاء الجنة إلخ وقرأ ابن يعمر والحسن وأبو رجاء وزيد بن علي وطلحة والمفضل عن عاصم «يدخل» بالبناء للفاعل كَلَّا ردع لهم عن ذلك الطمع الفارغ إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ
قيل هو تعليل للردع والمعنى إنا خلقناهم من أجل ما يعلمون وهو تكميل النفس بالإيمان والطاعة فمن لم يستكملها بذلك فهو بمعزل من أن يتبوأ متبوأ الكاملين فمن أين لهم أن يطمعوا في دخول الجنة وهم مكبون على الكفر والفسوق وإنكار البعث وكون ذلك