صاحبها مخافة أن يتفلت الصيد. وقيل: ما ينصب علامة لنزول الملك وسيره. وقرأ أبو عمران الحوفي ومجاهد «نصب» بفتح النون والصاد فعل بمعنى مفعول وقرأ الحسن وقتادة «نصب» بضم النون وسكون الصاد على أنه تخفيف «نصب» بضمتين أو جمع نصب بفتحتين كولد وولد يُوفِضُونَ أي يسرعون وأصل الإيفاض كما قال الراغب أن يعدو من عليه الوفضة وهي الكنانة فتخشخش عليه ثم استعمل في الإسراع وقيل هو مطلق الانطلاق. وروي عن الضحاك والأكثرون على الأول والمراد أنهم يخرجون مسارعين إلى الداعي يسبق بعضهم بعضا. والإسراع في السير إلى المعبودات الباطلة كان عادة للمشركين وقد رأينا كثيرا من إخوانهم الذين يعبدون توابيت الأئمة ونحوهم رضي الله تعالى عنهم كذلك وكذا عادة من ضل الطريق أن يسرع إلى أعلامها وعادة الجند أن يسرعوا نحو منزل الملك خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ لعظم ما تحققوه ووصفت أبصارهم بالخشوع مع أنه وصف الكل لغاية ظهور آثاره فيها تَرْهَقُهُمْ تغشاهم ذِلَّةٌ شديدة ذلِكَ الذي ذكر ما سيقع فيه من الأحوال الهائلة الْيَوْمُ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ أي في الدنيا. واسم الإشارة مبتدأ والْيَوْمُ خبر والموصول صفته والجملة بعده صلته والعائد محذوف أي يوعدونه وقرأ عبد الرحمن بن خلاذ عن داود بن سالم عن يعقوب والحسن بن عبد الرحمن عن التمار «ذلّة» بغير تنوين مضافا إلى ذلِكَ الْيَوْمُ بالجر هذا واعلم أن بعض المتصوفة في هذا الزمان ذكر في شأن هذا اليوم الذي أخبر الله تعالى أن مقداره خمسون ألف سنة أن المراتب أربع: الملك والملكوت والجبروت واللاهوت وكل مرتبة عليا محيطة بالسفلى وأعلى منها بعشر درجات لأنها تمام المرتبة لأن الله خلق الأشياء من عشر قبضات يعني من سر عشر مراتب الأفلاك التسعة والعناصر في كل عالم بحسبه ولذا ترتبت مراتب الأعداد على الأربع والألف منتهى المراتب وأقصى الغايات ولما كانت النسبة إلى الرب أي إلى وجهة الحق هي الغاية القصوى بالنسبة إلى ما عداها أَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى [النجم: ٤٢] كان اليوم الواحد المنسوب إليه ألفا ولذا كان اليوم الربوبي ألف سنة كما قال سبحانه وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ [الحج: ٤٧] فإذا ترقى الكون واقتضت الحكمة ظهور النشأة الأخرى وبروز آثار الاسم الأعظم في مقام الألوهية في رتبة الجامع ظهر الكون والأكوان والمكونات في محشر واحد على مراتبها في الأعيان فظهر سر النون من كلمة كُنْ [البقرة: ١١٧ وغيرها] لظهور فيكون فظهر الخمسون في العود كما نزل في البدء وهو قوله سبحانه كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ [الأعراف: ٢٩] فكان اليوم الواحد عند ظهور الاسم الأعظم في الجهة الجامعة خمسين ألف سنة، فالألف لترقي الواحد ولما كانت المراتب خمسين كان خمسين ألفا والخمسون تفاصيل ظهور اسم الرب عند ظهور اسم الله في عالم الأمر الذي هو أول مراتب التفصيل في قوله تعالى كُنْ وكان أول ظهور التفصيل خمسين لأن التوحيد الظاهر في النقطة والألف والحروف والكلمة التامة والدلالة التي هي تمام الخمسة إنما كانت في عشرة عوالم المراتب التعينات أو لأن الطبائع الأربع مع حصول المزاج بظهور طبيعة خامسة وبها تمام الخمسة إنما كانت في عشرة عوالم يحسبها فكان المجموع خمسين والعوالم العشرة هي عالم الإمكان وعالم الفؤاد وعالم القلب وعالم العقل وعالم الروح وعالم النفس وعالم الطبيعة وعالم المادة وعالم المثال وعالم الأجسام. والخمسون في وجه الرب ووجهة الحق في العالم الأول الذي هو الآخر تكون خمسين ألف سنة انتهى فإن فهمت منه معنى صحيحا تقبله ذوو العقول ولا يأباه المنقول فذاك وإلّا فاحمد الله تعالى على العافية واسأله عز وجل التوفيق للوصول إلى معالم التحقيق وللشيخ الأكبر قدس سره أيضا كلام في هذا المقام فمن أراده فليتتبع كتبه وليسأل الله تعالى الفتوحات وهو سبحانه ولي الهبات.