عزّ وجلّ حكاية عن نبيه نوح عليه الصلاة والسلام إنه قال لقومه اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ الآية ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً إنكار لأن يكون لهم سبب ما في عدم رجائهم لله تعالى وَقاراً على أن الرجاء بمعنى الخوف كما أخرجه الطستي عن ابن عباس مجيبا به سؤال نافع بن الأزرق منشدا قوله أبي ذؤيب:
إذا لسعته النحل لم يرج لسعها ... وحالفها في بيت نوب عواسل
أو على أنه بمعنى الاعتقاد كما أخرجه عنه ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وجماعة، وعبر به بالرجاء التابع لأدنى الظن مبالغة ولا تَرْجُونَ حال من ضمير المخاطبين، والعامل فيها معنى الاستقرار في لَكُمْ على أن الإنكار متوجه إلى السبب فقط مع تحقق مضمون الجملة الحالية لا إليهما معا ولِلَّهِ متعلق بمضمر وقع حالا من وَقاراً ولو تأخر لكان صفة له، والوقار كما رواه جماعة عن الحبر بمعنى العظمة لأنه على ما نقل الخفاجي عن الانتصاف ورد في صفاته تعالى بهذا المعنى ابتداء أو لأنه بمعنى التؤدة لكنها غير مناسبة له سبحانه فأطلقت باعتبار غايتها وما يتسبب عنها من العظمة في نفس الأمر أو في نفوس الناس أي أي سبب حصل لكم حال كونكم غير خائفين أو غير معتقدين لله تعالى عظمة موجبة لتعظيمه سبحانه بالإيمان به جل شأنه والطاعة له تعالى وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً أي والحال أنكم على حال منافية لما أنتم عليه بالكلية وهو أنكم تعلمون أنه عزّ وجلّ خلقكم مدرجا لكم في حالات عناصر ثم أغذية ثم أخلاطا ثم نطفا ثم علقا ثم مضغا ثم عظاما ولحوما ثم خلقا آخر فإن التقصير في توقير من هذا شأنه في القدرة القاهرة والإحسان التام مع العلم بذلك مما لا يكاد يصدر عن العاقل فالجملة حال من فاعل لا تَرْجُونَ مقررة للإنكار والأطوار الأحوال المختلفة. وأنشدوا قوله:
فإن أفاق فقد طارت عمايته ... والمرء يخلق طورا بعد أطوار
وحملها على ما سمعت من الأحوال مما ذهب إليه جمع وعن ابن عباس ومجاهد ما يقتضيه وإن اقتصر على ذكر النطفة والعلقة والمضغة وقيل: المراد بها الأحوال المختلفة بعد الولادة إلى الموت من الصبا والشباب والكهولة والشيوخة والقوة والضعف وقيل من الألوان والهيئات والأخلاق والملل المختلفة. وقيل من الصحة والسقم وكمال الأعضاء ونقصانها والغنى والفقر ونحوها هذا وقيل: الرجاء بمعنى الأمل كما هو الأصل المعروف فيه والوقار بمعنى التوقير كالسلام بمعنى التسليم وأريد به التعظيم ولله بيان للموقر المعظم فهو خبر مبتدأ محذوف أي إرادتي لله أو متعلق بمحذوف يفسره المذكور أي وقارا لله ولم يعلق بالمذكور بناء على ما صحح على ما فيه من أن معمول المصدر مطلقا لا يتقدم عليه ولو تأخر لكان صلة له على ما في الكشاف.
وفيه أن المعنى ما لكم لا تكونون على حال تأملون فيها تعظيم الله تعالى إياكم في دار الثواب وحاصله ما لكم لا ترجون أن توقروا وتعظموا على البناء للمفعول فكأنه قيل لمن التوقير أي من الذي يعظمنا ويختص به إعظامه إيانا فقيل لله وفسره بقوله على حال إلخ إشارة إلى أنه ينبغي عليهم اغترارهم كأنه قيل ما لكم مغترين غير راجين. وجعل الحث على الرجاء كناية عن الحث على الإيمان والعمل الصالح لاقتضائه انعقاد الأسباب بخلاف الغرور وهي كناية إيمائية إذ لا واسطة ولو جعلت رمزية لخفاء الفرق بين الرجاء والغرور على الأكثر لكان وجها قاله في الكشف. وتعقب ذلك مفتي الديار الرومية عليه الرحمة بأن عدم رجاء الكفرة لتعظيم الله تعالى إياهم في دار الثواب ليس في حيز الاستبعاد والإنكار مع أن في جعل الوقار بمعنى التوقير من التعسف وفي جعل لله بيانا للموقر ودعوى أنه لو تأخر لكان صلة للوقار من التناقض ما لا يخفى فإن كونه بيانا للموقر