النبوة وابن عباس ناهز الحلم في حجة الوداع فقد علمت أن قصة الجن وقعت ست مرات.
وفي شرح البيهقي من طرق شتى عن ابن مسعود أن النبي صلّى الله عليه وسلم صلّى العشاء ثم انصرف فأخذ بيدي حتى أتينا مكان كذا فأجلسني وخط عليّ خطا ثم قال:«لا تبرحن خطك» فبينما أنا جالس إذ أتاني رجال منهم كأنهم الزط فذكر حديثا طويلا وأنه صلّى الله عليه وسلم ما جاء إلى السحر قال وجعلت أسمع الأصوات ثم جاء عليه الصلاة والسلام فقلت:
أين كنت يا رسول الله؟ فقال:«أرسلت إليّ الجن» فقلت: ما هذه الأصوات التي سمعت؟ قال:«هي أصواتهم حين ودعوني وسلموا علي»
وقد يجمع الاختلاف في القلة والكثرة بأن ذلك لتعدد القصة أيضا والله تعالى أعلم. واختلف فيما استمعوه فقال عكرمة اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ [العلق: ١] وقيل سورة الرحمن فَقالُوا أي لقومهم عند رجوعهم إليهم إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً أي كتابا مقروءا على ما فسره به بعض الأجلة وفسر بذلك للإشارة إلى أن ما ذكروه في وصفه مما يأتي وصف له كله دون المقروء منه فقط، والمراد أنه من الكتب السماوية والتنوين للتفخيم أي قرآنا جليل الشأن عَجَباً بديعا مباينا لكلام الناس في حسن النظم ودقة المعنى وهو مصدر وصف به للمبالغة يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ إلى الحق والصواب وقيل إلى التوحيد والإيمان وقرأ عيسى «الرشد» بضمتين وعنه أيضا فتحهما فَآمَنَّا بِهِ أي بذلك القرآن من غير ريث وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً حسبما نطق به ما فيه من دلائل التوحيد أو حسبما نطق به الدلائل العقلية على التوحيد ولم تعطف هذه الجملة بالفاء قال الخفاجي لأن نفيهم للإشراك إما لما قام عندهم من الدليل العقلي فحينئذ لا يترتب على الإيمان بالقرآن وإما لما سمعوه من القرآن فحينئذ يكفي في ترتبها عليه عطف الأول بالفاء خصوصا والباء في به تحتمل السببية فيعم الإيمان به الإيمان بما فيه فإنك إذا قلت ضربته فتأدب وانقاد لي فهم ترتب الانقياد على الضرب ولو قلت فانقاد لم يترتب على الأول بل على ما قبله. وقيل: عطفت بالواو ولتفويض الترتب إلى ذهن السامع وقد يقال إن مجموع فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ مسبب عن مجموع إِنَّا سَمِعْنا إلخ فكونه قرآنا معجزا يوجب الإيمان به وكونه يهدي إلى الرشد يوجب قلع الشرك من أصله والأول أولى وجوز أن يكون ضمير به لله عز وجل لأن قوله سبحانه بِرَبِّنا يفسره فلا تغفل وَأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا اختلفوا قراءة في أن هذه وما بعدها إلى وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وتلك اثنتا عشرة فقرأها ابن عامر وحمزة والكسائي وخلف وحفص بفتح الهمزة فيهن ووافقهم أبو جعفر في ثلاثة ما هنا وأنه كان يقول وإنه كان رجال وقرأ الباقون بكسرها في الجميع واتفقوا على الفتح في أَنَّهُ اسْتَمَعَ وأَنَّ الْمَساجِدَ [الحج: ١٨] لأن ذلك لا يصح أن يكون من قول الجن بل هو مما أوحى بخلاف الباقي فإنه يصح أن يكون من قولهم ومما أوحى واختلفوا في أنه لما قام فقرأ نافع وأبو بكر بكسر الهمزة والباقون بفتحها كذا فصله بعض الأجلة وهو المعول عليه ووجه الكسر في أن هذه وما بعدها إلى وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ ظاهر كالكسر في إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً لظهور عطف الجمل على المحكي بعد القول ووضوح اندراجها تحته، وأما وجه الفتح ففيه خفاء ولذا اختلف فيه فقال الفراء والزجاج والزمخشري هو العطف على محل الجار والمجرور في فَآمَنَّا بِهِ كأنه قيل صدقناه وصدقنا أنه تعالى جد ربنا وأنه كان يقول سفيهنا وكذلك البواقي ويكفي في إظهاره المحل إظهار مع المرادف وليس من العطف على الضمير المجرور بدون إعادة الجار الممنوع عند البصريين في شيء وإن قيل به هنا بناء على مذهب الكوفيين المجوزين له ولو قيل إنه بتقدير الجار لاطراد حذفه قبل أن وإن لكان سديدا كما في الكشف وضعف مكي العطف على ما في حيز (آمنا) فقال فيه بعد في المعنى لأنهم لم يخبروا أنهم آمنوا بأنهم لما سمعوا الهدى آمنوا به ولا أنهم آمنوا بأنه كان رجال إنما حكى الله تعالى عنهم أنهم قالوا ذلك مخبرين عن