كان فجملة كنا إلخ تفسير للقسمة المتقدمة لكن قيل الأنسب عليه كون دون بمعنى غير والكلام على حذف مضاف أي كنا ذوي طرائق أي مذاهب أو مثل طرائق في اختلاف الأحوال أو كانت بطرائقنا طرائق قددا وكون هذا من تلقي الركبان لا يلتفت إليه وعدم اعتبار التشبيه البليغ ليستغني عن تقدير مثل قيل لأن المحل ليس محل المبالغة وجوز الزمخشري كون طَرائِقَ منصوبا على الظرفية بتقدير في أي كنا في طَرائِقَ وتعقب بأن الطريق اسم خاص لموضع يستطرق فيه فلا يقال للبيت أو المسجد طريق على الإطلاق وإنما يقال جعلت المسجد طريقا فلا ينتصب مثله على الظرفية إلا في الضرورة وقد نص سيبويه على أن قوله:
كما عسل الطريق الثعلب شاذ فلا يخرج القرآن الكريم على ذلك. وقال بعض النحاة: هو ظرف عام لأن كل موضع يستطرق طريق والقدد المتفرقة المختلفة قال الشاعر:
القابض الباسط الهادي بطاعته ... في فتنة الناس إذ أهواؤهم قدد
جمع قدة من قد إذا قطع كأن كل طريق لامتيازها مقطوعة من غيرها وَأَنَّا ظَنَنَّا أي علمنا الآن أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللَّهَ أي إن الشأن لن نعجز الله تعالى كائنين فِي الْأَرْضِ أي أينما كنا من أقطارها وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَباً أي هاربين منها إلى السماء فالأرض محمولة على الجملة ولما كان وَلَنْ إلخ في مقابلة ما قبل لزم أن يكون الهرب إلى السماء وفيه ترقّ ومبالغة كأنه قيل لن نعجزه سبحانه في الأرض ولا في السماء. وجوز أن لا ينظر إلى عموم ولا خصوص كما في أرسلها العراك ويجعل الفوت على قسمين أخذا من لفظ الهرب والمعنى لن نعجزه سبحانه في الأرض إن أراد بنا أمرا، ولن نعجزه عز وجل هربا إن طلبنا وحاصله إن طلبنا لم نفته وإن هربنا لم نخلص منه سبحانه وفائدة ذكر الأرض تصوير أنها مع هذه البسطة والعراضة ليس فيها منجا منه تعالى ولا مهرب لشدة قدرته سبحانه وزيادة تمكنه جل وعلا ونحوه قول القائل:
وإنك كالليل الذي هو مدركي ... وإن خلت أن المنتأى عنك واسع
وقيل فائدة ذكر الْأَرْضِ تصوير تمكنهم عليها وغاية بعدها عن محل استوائه سبحانه وتعالى وليس بذاك وكون فِي الْأَرْضِ وهَرَباً حالين كما أشرنا إليه هو الذي عليه الجمهور وجوز في هَرَباً كونه تمييزا محولا عن الفاعل أي لن يعجزه سبحانه هربنا وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدى أي القرآن الذي هو الهدى بعينه آمَنَّا بِهِ من غير تلعثم وتردد فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ وبما أنزله عز وجل فَلا يَخافُ جواب الشرط ومثله من المنفي بلا يصح فيه دخول الفاء وتركها كما صرح به في شرح التسهيل إلّا أن الأحسن تركها ولذا قدر هاهنا مبتدأ لتكون الجملة اسمية ولزم اقترانها بالفاء إذا وقعت جوابا إلا فيما شذ من نحو:
من يفعل الحسنات الله يشكرها معلوم وبعضهم أوجب التقدير لزعمه عدم صحة دخول الفاء في ذلك أي فهو لا يخاف بَخْساً أي نقصا في الجزاء. وقال الراغب: البخس نقص الشيء على سبيل الظلم وَلا رَهَقاً أي غشيان ذلة من قوله تعالى وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ [يونس: ٢٧] وأصله مطلق الغشيان وقال الراغب: رهقه الأمر أي غشيه بقهر وفي الأساس رهقه دنا منه وصبي مراهق مدان للحلم وفي النهاية يقال رجل فيه رهق إذا كان يخف إلى الشر ويغشاه. وحاصل المعنى فلا يخاف أن يبخس حقه ولا أن ترهقه ذلة فالمصدر أعني بَخْساً مقدر باعتبار المفعول وليس المعنى على أن غير المؤمن يبخس حقه بل النظر إلى تأكيد ما ثبت له من الجزاء وتوفيره كملا