وجوده ثبت وجوده ضرورة ورد بأن هذا إنما يلزم لو كانت الملازمة وهي قولنا لو لم تجب الفاتحة لوجبت ثابتة في نفس الأمر وليس كذلك بل هي ثابتة على تقدير وجوب قراءة الفاتحة فلهذا لا يصير حجة عليهم وتمام الكلام على ذلك في موضعه وأنت تعلم أنه على القول الثاني في الآية لا يظهر الاستدلال بها على فرضية مطلق القراءة في الصلاة إذ ليس فيها عليه أكثر من الأمر بقراءة شيء من القرآن قل أو أكثر بدل ما افترض عليهم من صلاة الليل فليتنبه وقوله تعالى عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى استئناف مبين لحكمة أخرى غير ما تقدم من عسرة إحصاء تقدير الأوقات مقتضية للترخيص والتخفيف أي علم أن الشأن سيكون منكم مرضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يسافرون فيها للتجارة يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وهو الربح وقد عمم ابتغاء الفضل لتحصيل العلم والجملة في موضع الحال وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يعني المجاهدين وفي قرن المسافرين لابتغاء فضل الله تعالى بهم إشارة إلى أنهم نحوهم في الأجر أخرج سعيد بن منصور والبيهقي في شعب الإيمان وغيرهما عن عمر رضي الله تعالى عنه قال: ما من حال يأتيني عليه الموت بعد الجهاد في سبيل الله أحب إليّ من أن يأتيني وأنا بين شعبتي جبل ألتمس من فضل الله تعالى وتلا هذه الآية وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ إلخ
وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم:«ما من جالب يجلب طعاما إلى بلد من بلدان المسلمين فيبيعه لسعر يومه إلّا كانت منزلته عند الله» ثم قرأ رسول الله صلّى الله عليه وسلم «وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ»
والمراد أنه عزّ وجلّ علم أن سيكون من المؤمنين من يشق عليه القيام كما علم سبحانه عسر إحصاء تقدير الأوقات وإذا كان الأمر كما ذكر وتعاضدت مقتضيات الترخيص فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ أي من القرآن من غير تحمل المشاق وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ أي المفروضة وَآتُوا الزَّكاةَ كذلك وعلى هذا أكثر المفسرين والظاهر أنهم عنوا بالصلاة المفروضة الصلوات الخمس وبالزكاة المفروضة أختها المعروفة واستشكل بأن السورة من أوائل ما نزل بمكة ولم تفرض الصلوات الخمس إلا بعد الإسراء والزكاة إنما فرضت بالمدينة وأجيب بأن الذاهب إلى ذلك يجعل هذه الآيات مدنية وقيل إن الزكاة فرضت بمكة من غير تعيين للأنصباء والذي فرض بالمدينة تعيين الأنصباء فيمكن أن يراد بالزكاة الزكاة المفروضة في الجملة فلا مانع عن كون الآيات مكية لكن يلتزم لكونها نزلت بعد الإسراء وحكمها على صلاة الليل السابقة حيث كانت مفروضة تنافي الترخيص وقيل يجوز أن تكون الآية مما تأخر حكمه عن نزوله وليس بذاك وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً أريد به الانفاقات في سبيل الخيرات أو أداء الزكاة على أحسن الوجوه وأنفعها للفقراء وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ أي خير كان مما ذكر ومما لم يذكر تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً أي من الذي تؤخرونه إلى الوصية عند الموت وخَيْراً ثاني مفعولي تَجِدُوهُ وهو تأكيد لضمير تَجِدُوهُ وإن كان بصورة المرفوع والمؤكد منصوب لأن هو يستعار لتأكيد المجرور والمنصوب كما ذكره الرضي أو ضمير فصل وإن لم يقع بين معرفتين فإن أفعل من حكم المعرفة ولذا يمتنع من حرف التعريف كالعلم وجوز أبو البقاء البدلية من ضمير تَجِدُوهُ ووهمه أبو حيان بأن الواجب عليها إياه وقرأ أبو السمال باللام العدوي وأبو السماك بالكاف الغنوي وأبو السميفع هو «خير وأعظم» برفعهما على الابتداء والخبر وجعل الجملة في موضع المفعول الثاني قال أبو زيد هي لغة بني تميم يرفعون ما بعد الفاصلة يقولون كان زيد هو الفاعل بالرفع وعليه قول قيس بن ذريح:
تحن إلى لبنى وأنت تركتها ... وكنت عليها بالملا أنت أقدر