من لا يرضى بنجاسة ما يماسه كيف يرضى بنجاسة نفسه يقال: فلان طاهر الثياب نقي الذيل والأردان إذا وصف بالنقاء من المعايب ومدانس الأخلاق، ويقال: فلان دنس الثياب وكذا دسم الثياب للغادر ولمن قبح فعله ومن الأول قول الشاعر:
ويحيى ما يلام بسوء خلق ... ويحيى طاهر الأثواب حر
ومن الثاني قوله:
قوله لا هم إن عامر بن جهم ... أو ذم حجا في ثياب دسم
وكلمات جمهور السلف دائرة على نحو هذا المعنى في الآية الكريمة. أخرج ابن جرير وغيره عن قتادة أنه قال فيها يقول طهرها من المعاصي وهي كلمة عربية كانت العرب إذا نكث الرجل ولم يف بعهد قالوا إن فلانا لدنس الثياب وإذا وفى وأصلح قالوا: إن فلانا لطاهر الثياب، وأخرج ابن المنذر عن أبي مالك أنه قال فيها عنى نفسه، وأخرج هو وجماعة عن مجاهد أنه قال: أي وعملك فأصلح ونحوه عن أبي رزين والسدي. وأخرج هو أيضا وجماعة منهم الحاكم وصححه عن ابن عباس أنه قال وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ أي من الإثم. وفي رواية من الغدر أي لا تكن غدارا وفي رواية جماعة عن عكرمة أن ابن عباس سئل عن قوله تعالى وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ فقال لا تلبسها على غدرة ولا فجرة ثم قال ألا تسمعون قول غيلان بن سلمة:
فإني بحمد الله لا ثوب فاجر ... لبست ولا من غدرة أتقنع
ونحوه عن الضحاك وابن جبير وعن الحسن والقرطبي أي وخلقك فحسن، وأنشدوا للكناية عن النفس بالثياب قول عنترة:
فشككت بالرمح الطويل ثيابه ... ليس الكريم على القنا بمحرم
وفي رواية عن الحبر وابن جبير أنه كنى بالثياب عن القلب كما في قول امرئ القيس:
فإن تك قد ساءتك مني خليقة ... فسلي ثيابي من ثيابك تنسل
وقيل كنى بها عن الجسم كما في قول ليلى وقد ذكرت إبلا ركبها قوم وذهبوا بها:
رموها بأثواب خفاف فلا نرى ... لها شبها إلّا النعام المنفرا
وطهارة الجسم قد يراد بها أيضا نحو ما تقدم. ومناسبة هذه المعاني لمقام الدعوة مما لا غبار عليه وقيل على كون تطهير الثياب كناية عما مر يكون ذلك أمرا باستكمال القوة العلمية بعد الأمر باستكمال القوة النظرية والدعاء إليه، وقيل: إنه أمر له صلّى الله عليه وسلم بالتخلق بالأخلاق الحسنة الموجبة لقبول الإنذار بعد أمره عليه الصلاة والسلام بتخصيصه ربه عز وجل بالتكبير الذي ربما يوهم إباءه خفض الجناح لما سواه عز وجل واقتضاءه عدم المبالاة والاكتراث بمن كان فضلا عن أعداء الله جل وعلا فكان ذكره لدفع ذلك التوهم، وقيل على تفسير المدثر بالتدثر بالنبوة والكمالات النفسانية المعنى طهر دثارات النبوة وآثارها وأنوارها الساطعة من مشكاة ذاتك عما يدنسها من الحقد والضجر وقلة الصبر، وقيل الثياب كناية عن النساء كما قال تعالى هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ [البقرة: ١٨٧] وتطهيرهن من الخطايا والمعايب بالوعظ والتأديب كما قال سبحانه قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً [التحريم: ٦] وقيل تطهيرهن اختيار المؤمنات العفائف منهن وقيل وطؤوهن في القبل لا في الدبر وفي الطهر لا في الحيض حكاه ابن بحر وأصل القول فيما أرى بعيد عن السياق ثم رأيت الفخر صرح