للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النار تسعة عشر وأنتم الدهم أيعجز كل عشرة منكم أن يبطشوا برجل منهم، فقال له أبو الأشد بن أسيد بن كلدة الجمحي وكان شديد البطش: أنا أكفيكم سبعة عشر فاكفوني أنتم اثنين فأنزل الله تعالى وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً أي ما جعلناهم رجالا من جنسكم يطاقون وأنزل سبحانه في أبي جهل أَوْلى لَكَ فَأَوْلى ثُمَّ أَوْلى لَكَ فَأَوْلى [القيامة: ٣٤، ٣٥] والظاهر أن المراد بأصحاب النار هم التسعة عشر ففيه وضع الظاهر موضع الضمير وكأن ذلك لما في هذا الظاهر من الإشارة إلى أنهم المدبرون لأمرها القائمون بتعذيب أهلها ما ليس في الضمير. وفي ذلك إيذان بأن المراد بسقر النار مطلقا لا طبقة خاصة منها والجمهور على أن المراد بهم النقباء فمعنى كونهم عَلَيْها أنهم يتولون أمرها وإليهم جماع زبانيتها وإلّا

فقد جاء: «يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها»

. وذهب بعضهم إلى أن التمييز المحذوف صف وقيل صف والأصل عليها تِسْعَةَ عَشَرَ صنفا أو عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ صفا ويبعده ما تقدم في رواية الحبر وكذا قوله تعالى وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا فإن المتبادر أن افتتانهم باستقلالهم لهم واستبعادهم تولي تسعة عشر لتعذيب أكثر الثقلين واستهزائهم بذلك، ومع تقدير الصنف أو الصف لا يتسنى ذلك وقال غير واحد في تعليل جعلهم ملائكة ليخالفوا جنس المعذبين فلا يرقوا لهم ولا يستروحوا إليهم ولأنهم أقوى الخلق وأقومهم بحق الله تعالى وبالغضب له سبحانه وأشدهم بأسا.

وفي الحديث: «كأن أعينهم البرق وكأن أقوالهم الصياصي يجرون أشعارهم لهم مثل قوة الثقلين يقبل أحدهم بالأمة من الناس يسوقهم على رقبته جبل حتى يرمي بهم في النار فيرمي بالجبل عليهم»

ولا يبعد أن يكون في التنوين إشعار إلى عظم أمرهم ومعنى قوله تعالى وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إلى آخره على ما اختاره بعض الأجلة وما جعلنا عدد أصحاب النار إلّا العدد الذي اقتضى فتنة الذين كفروا بالاستقلال والاستهزاء وهو التسعة عشر فكأن الأصل وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إلّا تسعة عشر فعبر بالأثر وهو فتنة الذين كفروا عن المؤثر وهو خصوص التسعة عشر لأنه كما علم السبب في افتتانهم وقيل إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ تنبيها على أن الأثر هنا لعدم انفكاكه عن مؤثره لتلازمهما كانا كشيء واحد يعبر باسم أحدهما عن الآخر ومعنى جعل عدتهم المطلقة العدة المخصوصة أن يخبر عن عددهم بأنه كذا إذ الجعل لا يتعلق بالعدة إنما يتعلق بالمعدود، فالمعنى أخبرنا أن عدتهم تسعة عشر دون غيرها لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ أي ليكتسبوا اليقين بنبوته صلّى الله عليه وسلم وصدق القرآن لأجل موافقة المذكورين ذكرهم في القرآن بهذا العدد وفي الكتابين كذلك وهذا غير جعل الملائكة على العدد المخصوص لأنه إيجاد ولا يصح على ما قال بعض المحققين أن يجعل إيجادهم على الوصف علة للاستيقان المذكور لأنه ليس إلّا للموافقة وتكلف بعضهم لتصحيحه بأن الإيجاد سبب للإخبار والإخبار سبب للاستيقان فهو سبب بعيد له والشيء كما يسند لسببه البعيد يسند لسببه القريب لكنه كما قال لا يحسن ذلك وإنما احتيج إلى التأويل بالتعبير بالأثر عن المؤثر ولم يبق الكلام على ظاهره لأن الجعل من دواخل المبتدأ والخبر فما يترتب عليه يترتب باعتبار نسبة أحد المفعولين إلى الآخر كقولك جعلت الفضة خاتما لتزين به، وكذلك ما جعلت الفضة إلّا خاتما لكذا ولا معنى لترتب الاستيقان وما بعده على جعل عدتهم فتنة للكفار ولا مدخل لافتتانهم بالعدد المخصوص في ذلك، وإنما الذي له مدخل العدة بنفسها أي العدة باعتبار أنها العدة المخصوصة والإخبار بها كما سمعت وليس ذلك تحريفا لكتاب الله تعالى ولا مبنيا على رعاية مذهب باطل كما توهم. ومنهم من تكلف لأمر السببية على الظاهر بما تمجه الأسماع فلا نسود به الرقاع. وفي البحر لِيَسْتَيْقِنَ مفعول من أجله وهو

<<  <  ج: ص:  >  >>