جبلّتها الظلمانية أخذت تلوم نفسها ونفرت عنها. وعرفوا المطمئنة بأنها التي تم تنورها بنور القلب حتى انخلعت عن صفاتها الذميمة وتخلقت بالأخلاق الحميدة وسكنت عن منازعة الطبيعة ومنهم من قال في اللَّوَّامَةِ هي المطمئنة اللائمة للنفس الأمارة ومنهم من قال هي فوق المطمئنة وهي التي ترشحت لتأديب غيرها إلى غير ذلك والمشهور عنهم تقسيم مراتب النفس إلى سبع منها هذه الثلاثة وفي سير السلوك إلى ملك الملوك كلام نفيس في ذلك فليراجعه من شاء وجواب القسم ما دل عليه قوله تعالى أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ وهو ليبعثن وقيل هو أَيَحْسَبُ إلخ وقيل بَلى قادِرِينَ وكلاهما ليسا بشيء أصلا كزعم عدم الاحتياج إلى جواب لأن المراد نفي الأقسام والمراد بالإنسان الجنس والهمزة لإنكار الواقع واستقباحه والتوبيخ عليه و (إن) مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن محذوف أي أيحسب أن الشأن لن نجمع بعد التفرق عظامه، وحاصله لم يكون هذا الحسبان الفارغ عن الإمارة المنافي لحق اليقين وصريحه والنسبة إلى الجنس لأن فيه من يحسب ذلك بل لعله الأكثرون وجوز أن يكون التعريف للعهد والمراد بالإنسان عدي ابن أبي ربيعة وختن الأخنس بن شريق وهما اللذان
كان النبي صلّى الله عليه وسلم يقول فيهما:«اللهم اكفني جاريّ السوء»
فقد روي أنه جاء إليه عليه الصلاة والسلام فقال: يا محمد حدثني عن يوم القيامة متى يكون وكيف يكون أمره؟
فأخبره رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال: لو عاينت ذلك اليوم لم أصدقك يا محمد ولم أومن به أو يجمع الله تعالى هذه العظام فنزلت
. وقيل أبو جهل فقد روي أنه كان يقول: أيزعم محمد أن يجمع الله تعالى هذه العظام بعد بلائها وتفرقها فيعيدها خلقا جديدا فنزلت وليس كإرادة الجنس وسبب النزول لا يعنيه وذكر العظام وأن المعنى على إعادة الإنسان وجمع أجزائه المتفرقة لما أنها قالب الخلق. وقرأ قتادة «تجمع بالتاء الفوقية مبينا للمفعول «عظامه» بالرفع على النيابة بَلى أي نجمعها بعد تفرقها ورجوعها رميما ورفاتا في بطون البحار وفسيحات القفار وحيثما كانت حال كوننا قادِرِينَ فقادرين حال من فاعل الفعل المقدر بعد بَلى وهو قول سيبويه وقيل منصوب على أنه خبر كان أي بلى كنا قادرين في البدء أفلا نقدر في الإعادة وهو كما ترى. وقيل انتصب لأنه وقع في موضع نقدر إذ التقدير بلى نقدر فلما وضع موضع الفعل نصب حكاه مكي وقال إنه بعيد من الصواب يلزم عليه نصب قائم في قولك مررت برجل قائم لأنه في موضع يقوم فتأمل. وقرأ ابن أبي عبلة وابن السميفع «قادرون» أي نحن قادرون عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ هي اسم جنس جمعي واحده بنانة وفسرها الراغب بالأصابع ثم قال قيل سميت بذلك لأن بها صلاح الأحوال التي يمكن للإنسان أن يبين بها ما يريد أي يقيم غيره بما صغر من عظام الأطراف كاليدين والرجلين وفي القاموس البنان الأصابع أو أطرافها فالمعنى نجمع العظام قادرين على تأليف جمعها وإعادتها إلى التركيب الأول وإلى أن نسوي أصابعه التي هي أطرافه وآخر ما يتم به خلقه، أو على أن نسوي ونضم سلامياته على صغرها ولطافتها بعضها إلى بعض كما كانت أولا من غير نقصان ولا تفاوت بكيف بكبار العظام وما ليس في الأطراف منها؟ وفي الحال المذكورة أعني قادِرِينَ عَلى إلخ بعد الدلالة على التقييد تأكيد لمعنى الفعل لأن الجمع من الأفعال التي لا بد فيه من القدرة فإذا قيد بالقدرة البالغة فقد أكد والوجه الأول من المعنى يدل على تصوير الجمع وأنه لا تفاوت بين الإعادة والبدء في الاشتمال على جميع الأجزاء التي كان بها قوام البدن أو كماله، والثاني يدل على تحقيق الجمع التام فإنه إذا قدر على جمع الألطف الأبعد عادة عن الإعادة فعلى جمع غيره أقدر ولعله الأوفق بالمقام. ويعلم منهما نكتة تخصيص البنان بالذكر وقيل المعنى بلى نجمعها ونحن قادرون على أن نسوي أصابع يديه ورجليه أن نجعلها مستوية شيئا واحدا كخف البعير وحافر الحمار ولا نفرق بينها فلا يمكنه أن يعمل بها شيئا مما يعمل